أيها الناعق المغرد بالدجى.. / محمد محمود ولد عبد الله

ثلاثاء, 30/11/2021 - 17:32

طالعت ما قيل إنها تغريدة للرئيس السابق، تحدث كاتبها عن ارتفاع الأسعار، وبعض الزيادات في مرتبات وعلاوات البرلمانيين، وعودة رباعيات الدفع الحكومية إلى الشوارع، وغيرها.
تغريدة قد تكون لها قيمة عند البلاغيين أكثر من أهميتها عند سائر المواطنين، إذ تضيف إلى قائمة المحسنات البديعية بابا جديدا ما طرقه البلاغيون من قبل، ولا اهتدى الجُرجاني ولا البَاقلاني إليه سبيلا، ألا وهو باب "تَلَبس الجناس بالطباق"، فتُذكِرنا تغريدته الناعقة، بشدو صاحبة الصوت الرخيم فيروز: "أيها الشادي المغرد في الضحى"... 
فلإن غرد الرئيس السابق على تويتر ـ وهو المغرد دوما خارج السرب ـ فقد غرد الشادي في الضحى قبله على الطبيعة، في جناس تلبّس تنافر الطباق وتعارض المقابلة عند علماء البديع.. وشتانا ما بين "الشادي المغرد في الضحى".. و"الناعق المغرد في الدجى".
تماما كالطباق والمقابلة بين الساعة التي علا فيها في الأرض واتخذ أهلها شيعا، فأغلّنا ونهب أقواتنا واستضعف شعبنا وداس قيمنا.. إنه كان من المفسدين، ولو لا رحمة ربنا لأحلّنا دار البوار، وبين الساعة التي هو فيها اليوم ينتظر حسابنا ومساءلتنا.. "ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة".
ومن أبشع فظائع منكرات المجرمين، أكلُ أموال الناس بالباطل، والغلول في المال العام.. "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة".. إن لم يأت به أو ببعضه في يومنا هذا صاغرا خانعا.
لقد غرد الناعق في الدجى ـ كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ـ عن ارتفاع الأسعار، وكأنه كان بالمواطنين رؤفا رحيما، وهو من أسلمهم أيام حكمه البائس لجشع وكلائه التجاريين ومضارباتهم الاحتكارية، بعد أن دمر شركة سونمكيس آخر معقل لضبط أسعار المواد الغذائية في البلد ـ حين تعصف الأزمات بالعالم الذي يعيش اليوم واحدة من أخطرها وأطولها أمدا ـ تلك المؤسسة العتيقة التي كشفت تصفيتها عن فظائع تقشعر منها الأبدان، ويشيب لها الولدان، فكانت بضائعه وبضائع عُصبته المغشوشة، تُغرق الأسواق بكل أنواع السموم وما انتهت صلاحية منها وسلبت فائدته.
وتداركا للوضع الكارثي، ورتقا للفتق الذي كاد أن يتسع على الراتق، أعلن رئيس الجمهورية قبل أسابيع استعادة زمام المبادرة للسيطرة على أسعار تلك المواد المستوردة في غالبها، عبر إنشاء "مركزية للشراء والتموين" تتكفل بتوفير المواد الأساسية في الأسواق بأسعار مخفضة، ومراقبة جودتها وصلاحيتها.   
أما زيادة علاوات النواب التي تحدث عنها "الناعق المغرد في الدجى"، فلن تكون بحال من الأحوال محل رضى منه أو ارتياح لديه، وهو الذي لا يرقب في السلطة التشريعية إلا ولا ذمة، ولا يرعى فيها قانونا ولا وعرفا، فكان أن قضى على غرفتها الثانية مجلس الشيوخ، افتراء على الدستور وكفرا به، بعد أن سقطت تعديلاته المقترحة تصويتا في أروقة البرلمان.
واليوم قيض الله للبلد من يقيم وزنا لفصل السلطات ودولة القانون، ويسعى لتمكين القائمين على السلطة التشريعية من أداء واجباتهم التي انتخبوا من أجلها باستقلالية ودون تأثير على الرأي والموقف، عبر تحسين ظروفهم، وفي مقدمتها الظرف المادية، بعد أن حاربهم الرئيس السابق واتخذهم هزؤا ولعبا.  
أما رباعيات الدفع الحكومية، فقد كشف حديثه عن عودتها إلى الشوارع والأسى والأسف الذين أظهرهما، عن عقدة اهتمام بالسيارات تلاحقه، ربما منذ "أيام التكوين"، لكن رباعيات الدفع الحكومية عادت اليوم إلى الشوارع بعد أن أُخرجت من حظائر المصادرة والسرقة التي خبأها فيها دون فائدة أو جدوائية.
وقد يكون ما أغضب "الناعق المغرد في الدجى" حقا، وأثار كمده واستفز كنده، هو الحصاد المُبين، والحصيلة الكبيرة لسنتين وأشهر معدودات من حكم رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رغم الجائحة العالمية غير المسبوقة وبرغم جميع حرائق الرئيس السابق السياسية والاجتماعية التي خلف وراءه، وكادت أن تهُدّ كيان البلد من أركانه، تلك الحصيلة التي تناول رئيس الجمهورية في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال الوطني، طرفا منها، فضلا عن حديثه الصارم الواضح عن وضع حد للانتقائية في محاربة الفساد التي اتخذ منها "السابق" قميص عثمان، كلما هم بسوء جاء عليه بدم كذب، لتلطيخ سمعة خصومه السياسيين، والوقوع في أعراض الرافضين الرقصَ في جوقته النشاز على وقع أنين الوطن ومواجعه.
آن لك أن تدرك أيها "الناعق المغرد بالدجى" أنه لا متسع للفساد في ظل النظام الحالي، فليس له اليوم هاهنا حميم، وقد رحل معكم إلى غير أوبة، وليس له ـ سواكم ـ باكٍ من الناس يُعرف.
محمد محمود ولد عبد الله

تصفح أيضا...