
3ـ موقع العاصمة
خلال الإحتلال الأجنبي صدر مرسوم بتاريخ 24 يوليو 1957 بإنشاء عاصمة للبلاد، اختارت الجهة التي صدر عنها المرسوم نقطة على بعد ثلاثة كيلمترات من شاطئ المحيط تسمى انواكشوط لتكون عاصمة البلد الذي يوشك ان ينال استقلاله بعد أن ظلت البلاد تدار عقودا من الزمن من اندر على حافة النهر من الجهة الموريتانية وداخل الحدود السياسية للبلاد.
وحينما نستعرض أهم الاعتبارات الواجب مراعاتها في اختيار موقع عاصمة ما نجد أن مدينة انواكشوط لا تستجيب لأي من تلك الاعتبارات المتعارف عليها جغرافيا.
فالعاصمة بمثابة القلب لبقية الجسم كما اتفق على ذلك المؤرخون والجغرافيون وعلماء الاجتماع وكبار القادة.
لقد اختيرت بعض العواصم على اساس الموقع الممتاز وسط أراضي الدولة كمدريد ودمشق والقاهرة وبغداد وباريس.
ذلك بأنه إذا سقطت العاصمة تسقط بقية البلاد كما وجد عبد الرحمن بن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي
أـ العامل التاريخي:
في الاختيار يربط انتخاب الموقع بقيم تاريخية يتميز بها البلد كأن تكون المدينة مثابة روحية أو ثقافية يقصدها الناس للتعلم والتفقه أو أن تكون رمزا لانتصارات عسكرية أو لإنجازات سياسية. فلأي من هذه الاعتبارات يا ترى تم انتخاب موقع انواكشوط.
ب ـ عقدة المواصلات:
للعاصمة دورة ثقافي وتجاري وإعلامي مميز ولكي تعلب هذا الدور وجب أن تكون في مكان مناسب يسهل معه الاتصال بها من جميع الجهات، كونها ستكون وظيفيا بمثابة عقدة مواصلات لتمرير النشاط التجاري والثقافي والإعلامي. ولا يخفى أن الموقع الحالي محاط من جهة الشمال والشرق ببحر من الرمال وسباخ متصلة من الغرب والجنوب.
ج ـ الحماية والدفاع:
عادة ما يكون هاجس حماية العاصمة من الأعداء كونها قلب الدولة هو العامل الأهم عند انتخاب المكان وغني عن القول أن اختيار الشواطئ لهذا الغرض يندر حدوثه حتى ولو كانت الدولة تمثل قوة بحرية مرهوبة وبإهمال هذا الاعتبار في اختيار موقع انواكشوط يضاف خطأ آخر لا يقل خطورة ألا وهو وجود منطقتي فراغ سكاني شمال وجنوب العاصمة بعمق يزيد عن المئتي كلمتر مما يسهل تقدم قوات معادية دون عائق وهو ما حدث بالضبط في العام 1976 حينما وصلت وحدات معادية المشارف الشمالية للعاصمة وكادت أن تسقط في يدها.
د ـ انخفاض الموقع:
يتعرض الموقع الحالي للعاصمة للنقد من قبل الكثيرين لانخفاضه عن مستوى البحر وقد تعرض بالفعل في الخمسينيات لفيضانات قوية ناتجة عن سيول عادت مجاريها القديمة وفي هذه الأيام التي يكثر فيها الحديث عن ظاهرة الانحباس الحراري الذي يتسبب في ارتفاع أمواج البحر وأمطار طوفانية لنا أن نقلق على أرواح وممتلكات سكان مدينة انواكشوط في ظل المتغيرات الملحوظة للمناخ إضافة إلى عمليات سحب رمال الشاطئ المتقطعة أو المتواصلة.
هـ ـ المركز التجاري:
قد يتم اختيار العاصمة في منطقة صناعية أو سهلية خصبة كما هو الحال لبغداد والقاهرة ولندن وغيرها. فنمو العاصمة السريع يزيد من حاجة السكان إلى المنتجات الزراعية والصناعية وهو ما لم يؤخذ بعين الاعتبار أصلا. ولقد كانت المدينة عند تأسيسها تعتمد في احتياجاتها من ماء الشرب على مصنع لتحلية المياه نتيجة لانعدام توفر المياه في محيطها المجاور، ومع نمو المدينة السريع تم تزويدها بالماء من مكان يبعد 70 كيلمتر عنها، ثم جاء مشروع سحب الماء من النهر بواسطة أنبوب بعكس ماكان مخطط له في العام 1982 من خلال قناة مفتوحة بتمويل عراقي بتكلفة وصلت 76 مليون دولار حينئذ، ألغيت للأسف فيما بعد على أثر اعتقال البعثيين في نفس العام ومحاكمتهم في العام التالي.
وـ القرب من الكثافة السكانية:
يخيل لم يطل من الخارطة على موقع العاصمة بالنسبة لبقية مدن البلاد أن اختيارها أصلا تم على أساس المسافة بينها وأمكنة غير موجودة على خارطة الوطن، إذ أنها بعيدة كليا عن كافة المدن الكبرى للبلاد وبعيدة عن مناطق الكثافة السكانية، فوجودها في أقصى الطرف الغربي يفقدها ميزة أن تكون نواة للدولة.
زـ التدابير الواجب اتخاذها لتحصيح ما يمكن تحصيحه:
(1) ضرورة الإسراع في بناء كورنيش يحف المدينة من جهة البحر إلى أقصى مسافة ممكنة للحد من تقدم الموج ولأغراض ومنافع أخرى.
(2) الامتناع كليا عن سحب رمال الشاطئ لما ينجر عن ذلك من مخاطر ومساوئ بيئية.
(3) ضرورة حفر قناة لجلب مياه النهر لخلق ظروف لنمو تجمعات سكانية زراعية جنوب وشمال وغرب العاصمة.
(4) استنبات حزام من أشجار المانقروف المتآلفة مع المياه المالحة كخط صد في وجه أمواج البحر بمحاذاة الشاطئ وإلى أطول مسافة ممكنة.
(5) الإسراع في استكمال شبكة الصرف الصحي للمدينة لارتباط ذلك بسلامة أساسات البناء في الأحياء السكنية وبالصحة العامة للسكان.
(6) العمل على وضع خطط طوارئ للتعامل مع أي مستجدات قد تكون مفاجئة.
(7) التفكير في إيجاد موقع يستجيب للاعتبارات الجغرافية ليكون عاصمة بديلة عن العاصمة الحالية المهددة من المحيط.
انواكشوط بتاريخ 28 ذو القعدة 1446 هـ
الموافق 26 مايو 2025م
*ـ عقيد متقاعد
من مواليد مدينة أطار الموريتانية
المؤهلات العلمية:
باكلوريا وطنية
ليسانس حضارة وإعلام ـ المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية
بكالوريوس علوم عسكرية ـ جامعة مؤتة الأردنية
ماجستير علوم عسكرية وإدارية ـ جامعة مؤتة الأردنية
ماجستير علوم إستراتيجية ـ أكاديمية ناصر العسكرية العليا ـ مصر
2