من يعبث بالسيادة الوطنية ؟ / يحي ولد اللود/ نائب دائرة أمريكا

جمعة, 30/05/2025 - 12:02

هناك مواضيع لا يجوز أن تكون محل سجال سياسي بين النظام والمعارضة، ولا يصح أن تغلف بلغة الدعاية أو تختزل في تبريرات بيروقراطية. ملف السيادة الوطنية والحدود مع الجارة مالي هو في طليعة هذه المواضيع.

تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة عقب اجتماع مجلس الوزراء، حول القرى الحدودية الواقعة في الحوض الشرقي، لا يعد مجرد زلة لسان، بل يدخل في خانة الأخطاء الجسيمة، إن لم نقل الخطايا السياسية والقانونية، التي قد يدفع بلدنا ثمنها باهظا لها.

من المعلوم أن اتفاقية 1963 مع مالي لم ترسم الحدود بل اكتفت بتحديدها مبدئياً، وأن هذا الملف لا يزال محل تفاوض ضمن لجنة فنية مشتركة. وفي انتظار انتهاء أعمال هذه اللجنة، يبقى العرف الميداني الذي استقر عليه التعاون بين البلدين هو الأساس القانوني الوحيد الذي تستند إليه المطالب الموريتانية.

وقد عبر عن هذا العرف مسؤولان حكوميان في مناسبات رسمية موثقة:
 • والي الحوض الشرقي، في تصريح قبل أكثر من سنة، حين أكد أن القرى المأهولة بموريتانيين وتحتوي على مدارس ومكاتب تصويت موريتانية هي قرى موريتانية، حتى وإن كانت جغرافياً داخل العمق المالي.
 • ووزير الداخلية نفسه، خلال زيارة ميدانية لتلك المناطق، أكد المبدأ ذاته، مما يعكس وجود موقف مؤسسي واضح، لا اجتهاد شخصي عابر.

بناءً على ذلك، لا مانع من اتخاذ إجراءات أمنية تستدعي إغلاق المدارس أو سحب السكان مؤقتاً، لكن مصالح الدولة تفرض التصريح بذلك بطريقة تحفظ حقنا القانوني ومصالحنا السيادية. ويجب أن يكون التصريح واضحاً في مضمونه: “تم ترحيل المواطنين لأسباب أمنية مع تمسك الدولة الموريتانية بسيادتها  على تلك القرى في انتظار انتهاء أعمال الترسيم”.

أما أن يصدر عن ناطق رسمي باسم الحكومة تصريح يقر صراحة بأن الأراضي المعنية “مالية”، فذلك يعد إقرارا ضمنيا سيستخدم حتما، و”بحق” كما قد يقول إخوتنا في مالي، لتثبيت السيادة المالية على أراض ما تزال موضع نزاع وترسيم.

والأخطر أن يتم في ذات السياق توقيف وزير سابق فقط لأنه تحدث عن وقائع ميدانية يعرفها الجميع، وكأن السيادة الوطنية أصبحت تخضع لمزاج سياسي لا لمبدأ قانوني.

لسوء الحظ، هذا التصريح ليس استثناء، بل يأتي في سياق سلسلة من المواقف الرسمية المرتجلة التي تعكس استخفافاً واضحاً بملفات استراتيجية:
 • تصريح آخر لناطق رسمي سابق باسم الحكومة، حين هاجم علناً قرار مالي الاستعانة بقوات روسية، زاعماً أن عليهم “التشاور معنا”، في تجاوز فادح للسيادة المالية، دفعت موريتانيا ثمنه في علاقاتها الثنائية.
 • وتصريح آخر، أخطر، لمدير ديوان رئيس الجمهورية الحالي، حين وصف أراضي الصحراء الغربية بأنها “أراض مغربية”، في خرق سافر لموقف الحياد التقليدي للدبلوماسية الموريتانية.

تراكم هذه “الهفوات” يعطي انطباعا خطيرا بأن السياسة الخارجية والدفاعية لبلادنا باتت رهينة لمزاجية  لا يدرك أصحابها حساسية الملفات ولا يمتلكون حس الدولة ولا تصوراً استراتيجياً واضحاً لمصالحها.

لقد انتخب الشعب رئيس الجمهورية لصيانة الاستقلال والسيادة والوحدة الترابية. وبهذا المعنى، فإن أي غموض رسمي حول وضعية القرى الحدودية مع مالي هو تفريط غير مبرر.

إن كان تصريح وزير الداخلية و الوالي لا يمثلان الموقف الرسمي، فلتصدر رئاسة الجمهورية بياناً توضيحياً. وإن كانا يعبران عنه – كما نعتقد – فعلى الحكومة أن تصحح خطأ ناطقها الرسمي، وتعيد التأكيد على موقفنا القانوني، حتى ولو سحبت المنشآت وأخليت القرى لأسباب ظرفية.

وحده الصمت في هذه الحالات لا يحتمل.
النائب يحيى ولد اللود

تصفح أيضا...