جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، الخيرة إلى نواكشوط برفقة وفد أوروبي رفيع
المستوى، لتثير تساؤلات كثيرة حول أهدافها المعلنة وأبعادها الخفية. الزيارة تحمل رسائل مشفرة
.موجهة إلى القيادة الموريتانية، مما يعزز القلق لدى الرأي العام الوطني
لفهم هذه الزيارة، ال بد من وضعها في سياقها التاريخي والجيوسياسي. فالمبعوث الأوروبي جاء بشكل
عاجل إلنقاذ قارة عجوز ترهقها األزمات الدينية والعرقية والاجتماعية والاقتصادية، إضافةً إلى تداعيات
حرب أوكرانيا والمآسي المستمرة في فلسطين. تُواجه أوروبا اليوم تحديات خطيرة، أبرزها موجات
الهجرة الجماعية والجريمة المنظمة العابرة للحدود وتهريب المخدرات، مما قد يؤدي إلى كارثة ال تحمد
.عقباها
في خضم هذه الازمات، برزت إفريقيا كجزء من معادلة الحل، ال سيما بعد صعود العقيد أسيمي غويتا
في مالي، الذي أعلن عن بداية فصل جديد في الربيع اإلفريقي. ومع ذلك، تذ ّكر الطرفان وجود
موريتانيا، الدولة الغنية بالموارد، لكنها تعاني من ضعف الحماية الوطنية وغياب الاستغالل الأمثل
لثرواتها. هنا يكمن دور سانشيز؛ فهو يعلم أن نجاح مهمته مرتبط بمدى قدرته على انتزاع أكبر
.المكاسب خلال المفاوضات مع الموريتانيين
العروض التي قدمها سانشيز بدت مغرية للوهلة األولى، لكنها تخفي وراءها مخاطر كبيرة. فقد استخدم
أسلوبًا دبلوماسيًا بار ًعا ليقدم وعو ًدا تبدو رائعة، لكن الواقع قد يكشف أنها تحمل في طياتها تهديدات
لموريتانيا. إذا دققنا النظر في هذه الوعود من منظور المصلحة الوطنية، بعي ًدا عن العواطف والمصالح
.الآنية، سنجد أنها قد تكون مجرد سراب، مقابل ما قد ينتظر موريتانيا من تحديات خطيرة بسبب الهجرة
الهجرة غير الشرعية تمثل تهدي ًدا كبي ًرا لموريتانيا، البلد الذي يعاني من انقسامات اجتماعية وضعف في
الدولة، إضافة إلى تدهور البنية التحتية والمؤسسات.
تشير بعض الدراسات إلى أن 011.111 شاب موريتاني يهاجرون كل عام بحثًا عن فرص عمل
أفضل، ما يؤدي إلى استنزاف العقول والطاقات الشابة. هذا النزيف البشري يترك بصمات سلبية على
المجتمع، إذ يواجه الشباب المتبقي في الداخل تحديات اجتماعية واقتصادية ضخمة. من بين هذه
التحديات، ارتفاع تكاليف الزواج بشكل غير مسبوق، حيث يعيش 01% تحت سن الثالثين حالة من
العزوبية بسبب غلاء المهور وارتفاع تكاليف المعيشة.
في المقابل، أدى تدفق المهاجرين األجانب إلى موريتانيا، خصو ًصا بعد االكتشافات األخيرة للغاز،
الذهب، اليورانيوم، والهيدروجين األخضر، إلى زيادة الضغط على البنية التحتية والموارد االقتصادية
الهشة بالفعل. استمرار هذا التدفق قد يغرق السكان األصليين في فترة قصيرة إذا لم تُتخذ التدابير
.الالزمة
إلى جانب المنافسة الشديدة على فرص العمل، تزداد التحديات االقتصادية بفعل نزيف العمالت األجنبية،
مما يؤدي إلى ضغوط هائلة على الخدمات األساسية مثل المياه، الكهرباء، المدارس، والرعاية الصحية،
.ما يزيد من تعقيد الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد
عالوة على ذلك، فإن الزيادة الكبيرة في الجرائم، والتي يرتبط الكثير منها بالمهاجرين، تضيف بعًدا آخر
لألزمة. معدالت الجرائم العنيفة، مثل القتل واالغتصاب والسرقة، قد ارتفعت، مما يفاقم من حالة عدم
االستقرار في البالد.
الرسالة التي يجب أن تصل إلى أوروبا واضحة وحازمة: موريتانيا مستعدة للتعاون في مجال منع
الهجرة غير الشرعية وحماية حدودها الشاسعة، لكن بشرط أن تتحمل أوروبا التكلفة المالية الكاملة لجعل
هذه الحدود منيعة. يتطلب ذلك تجهيز القوات المسلحة الموريتانية بالتكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك
الطائرات المسيرة، الرادارات، والطائرات، كما يجب توفير دعم تقني يسمح لموريتانيا بتطوير صناعتها
الدفاعية وتحصين حدودها بشكل فعّال.
على المدى القصير، يجب أن تسعى موريتانيا إلى بناء جيش قوي وحديث، وتحقيق االكتفاء الذاتي
الغذائي. هذا التحول يتطلب شراكات دولية متنوعة، ليس فقط مع أوروبا، بل مع قوى أخرى مثل
الصين، الواليات المتحدة، روسيا، تركيا، وإيران، لضمان تحقيق التوازن وتعزيز المصالح الوطنية.
في النهاية، بناء دولة قوية ومستقرة يتطلب قيادة شجاعة وحازمة. لقد علمنا التاريخ أن القادة العظام هم
من يؤسسون الدول القوية، كما فعل المختار ولد داداه، رحمه الله. واليوم، موريتانيا بحاجة إلى قيادة
قادرة على اتخاذ القرارات الجريئة، لتحقيق مستقبل أفضل للبالد، بعي ًدا عن الضغوط الخارجية.
لقد حان الوقت لتحرير أنفسنا من قيود الخوف، وتحرير القرار الوطني من الضغوطات الغربية التي
تحاول التحكم في مسارنا. فقط من خالل استعادة سيادتنا الكاملة على قراراتنا يمكننا تأمين مستقبل
موريتانيا وتحقيق مصالحها الوطنية بعي ًدا عن أي تأثيرات خارجية.
محمد أحمد باب أحمد صالحي
مرشح مستقل للإنتخابات الرئاسية 7002
(UACPR) النائب الثاني لرئيس اتحاد المرشحين السابقين لرئاسة الجمهورية
باحث واستشاري مستقل