نعم في هذه أصاب وزير التنمية الريفية .. / لمهابة ولد بلال

جمعة, 04/12/2020 - 11:13

لست من الذين ينظرون الى الحياة بعيون سوداء دائما ويطبعونها بطابع قاتم لا أمل فيه بل العكس كلما رأيت ومضة أو ضوء في آخر النفق أبادر الى تثمينه لأن الأمل يصنع الفرق واليأس يقتل الإرادة وإن كان النقد البناء من أجل تصحيح الأخطاء هو الأصل فان الإشادة المسؤولة للتشجيع على مواصلة الصواب لا تقل أهمية خاصة في ظل انتشار موجة الإحباط والتشاؤم، وفي هذا السياق أود أن أتناول مسألتين تتعلقان بأداء معالي وزير التنمية الريفية السيد ادي ولد الزين حسب وجهة نظري تستحقان تسليط الضوء وتوضيح بعض الأمور:

 

المسألة الأولى: تتعلق بالكلمة التي ألقاها مؤخرا في حفل انطلاق حملة زراعة الخضراوات في بلدية دار البركة بولاية البراكنة الأسبوع الماضي والتي حملت نقاطا جوهرية وكل من يقرأ بين السطور سيدرك أن هناك تحولا في معالجة المشاكل وطرح الحلول، وبوصفي ناشط في المجال الزراعي ومهتم بالقطاع الريفي ومهندس بوزارة التنمية الريفية أقول وبصدق إن الكلمة حملت تشخيصا واقعيا الى حد بعيد تحتاجه الساحة الزراعية الوطنية وقدمت حلولا قابلة للتطبيق وذات جدوائية، فقط تطرق إلى جملة معطيات بمثابة وضع أسس لسياسة زراعية جديدة ستكون هادفة إن طبقت بالشكل الأمثل تقوم على خدمة الحقل ومن يعمل في الحقل وفي الحقل فقط فلطالما أهدرت الموارد تحت عنوان الدعم للمزارع وأي مزارع ، ونبه الى خلق واقع جديد قادر على افراز مزارع مهني منتج وهو أمر جوهري في حد ذاته فلطالما عانت الزراعة من عدم مهنية مزارعيها.

 

وقد تطرق الوزير إلى أن سياسة الوزارة ستعتمد بالإضافة الى دعم المزارعين المنتجين وتنمية القطاع الريفي على التعاون المثمر مع الخصوصيين ورجال الأعمال والمستثمرين وستوفر الدعم المناسب من مدخلات زراعية (بذور وأسمدة) ومكافحة آفات وتنظيف مجاري الري وفك العزلة عن مناطق الإنتاج عبر شق طرق معبدة وتوفير خدمة الكهرباء في هذه المناطق الأمر الذي سيشكل بنية تحتية زراعية متكاملة تبدأ بالزراعة والإنتاج وتنتهي بالحفظ والتخزين.

 

وبإعتبار أن أول خطوة في معالجة المسلكيات الخاطئة هو الإعتراف والصراحة فقد كان الوزير شجاعا عندما اعترف أن مكونة "مكافحة الآفات" تعاني خللا كبيرا بنيويا وفنيا فاقمتها هيكلية القطاع الأخيرة التي شتت قدرة "مكافحة الآفات" وفرقت مواردها وطاقمها البشري بين عدة إدارات مركزية ومركز مكافحة الجراد ثم أعيدت لاحقا إلى الإدارة الأم قبل أن تلتقط أنفاسها الأمر الذي أثر وبشكل حاد على أدائها خلال المواسم الأخيرة، ووعد بإعادة هيكلتها وفق أسس فنية وإدارية صحيحة.

 

أما المسألة الثانية: التي أريد تناولها في هذا الموضوع فتتعلق بانتقاد بعض أعضاء حراك المزارعين في اترارزه لسياسة الوزير بشان تعويضات المتضررين من مزارعي الأرز بسبب الأمطار في الموسم الماضي وكذلك مكافحة الآفة التي انتشرت مؤخرا في حقول الأرز مخلفة خسائر كبيرة، وفي الحقيقة استغربت مثل هذا الانتقاد وأن يصدر من هذا الحراك بالذات الذي سبق وأن أشاد بسياسة الوزير واعتبروه من أكثر وزراء القطاع فتحا لباب التشاور وتقديرا للفاعلين وشركاء الوزارة الوطنيين واستماعا لمشاكلهم والاستعداد لحلها، والحقيقة أن الوزير الحالي فتح الباب على مصراعيه لكافة الفاعلين والمنتجين واتخذ من مبدأ التشاور منهجا سواء تعلق الأمر بتشخيص المشاكل أو وضع الحلول وهذا ليس كلاما من باب المجاملات بل هو واقع ولعل اتحادات ورابطات المزارعين المختلفة واتحاد منتجي ومهنيي الخضراوات واتحاد مقشري الأرز واتحاد منتجي ومكثري البذور ونقابة المهندسين الزراعيين والمزارعين المستقلين والفاعلين والمهتمين بمجال الزراعة يشاطرونني الرأي وهذا في حد ذاته خطوة مهمة تستحق الإشادة.

 

أما فيما يتعلق بتعويض المتضررين بسبب الأمطار التي تهاطلت نهاية حملة زراعة الأرز الماضية وعدم توفير حاصدات في الوقت المناسب فقد شكلت الوزارة لجنة لتقصي الحقائق فورا اتصلت بالمزارعين ثم زار الوزير المنطقة وأبلغ المتضررين أن الدولة قررت تعويضعهم للتخفيف من آثار الكارثة وشكلت لجنة للتعويضات ضمت ممثلين عن المزارعين واكبوا العملية خطوة بخطوة ووضعوا أسسا لتعويض المزارع تقوم على مسح الأقمار الاصطناعية وتحديد الهكتارات المتضررة جراء الأمطار وتم الاتفاق على مبلغ محدد كتعويض عن الهكتار يغطي أبرز التكاليف التي أنفقها المزارع، وتلافيا لتكرار ما حدث من عدم توفر الحاصدات الزراعية أعطت الوزارة الأوامر باقتناء عشرات الحاصدات بشكل فوري حتى تتوفر للمزارعين في الوقت المناسب.

 

وانتهت العملية بإشادة على نطاق واسع بحسن تسييرها وكانت عملية معقدة وصعبة تم إنجازها في وقت قياسي، ولاشك أن للمزارع الحق في المطالبة بالتعويض إن هو تعرض لجائحة فوق قدراته وهو أساس سليم من أسس الزراعة والإنتاج ولكن عليه أيضا أن يدرك إنه في الحالات الطارئة وحالات الكوارث والفيضانات هناك خطط استعجالية لها أحكامها وإكراهاتها وتحتاج للكثير من التحمل والصبر والمرونة.

 

أما بخصوص الآفة التي اجتاحت مؤخرا حقول الأرز فهي آفة إقليمية أصابت الزراعة على ضفتي النهر وبادرت الوزارة إلى إيفاد لجنة ضمت مدير تنمية الشعب والإرشاد الزراعي ومدير المركز الوطني للبحوث والتنمية الزراعية وقد توصلت الأبحاث التي أجريت في بلادنا وفي جارتنا السنغال أن ظهور وتنامي هذه الآفة في الغالب سببه عدم خدمة الأرض خاصة عملية الحراثة العميقة وترك بقايا المحصول السابق دون تنظيف وخصوصا الاعتماد على زراعة الأرز المعاد أو ما يسمى "Repousse" وهو اعادة استنبات بقايا بذور الأرز من الحملة السابقة وقد اتخذت الوزارة قرارا بعدم دعم هذا النوع من الزراعة لما يسبب من أضرار للتربة وتشجيع لنمو الآفات والأمراض وغيرها، هذا بالإضافة إلى الظروف المناخية والبيئية المواتية لنمو وانتشار مسببات الأمراض الفطرية بسبب موسم الأمطار الذي تميز هذه السنة بغزارة التهاطلات، فضلا عن عدم اتباع دورات زراعية منظمة وترك قنوات الري دون ترميم أو تنظيف ونمو الأعشاب والنباتات المائية.. الخ، فعلى المزارعين والمنتجين والمستثمرين في مجال الزراعة أن يدركوا أن الدولة يمكن أن تساعد في مكافحة الطيور والجراد وغيرها بشكل أكثر فاعلية ووضوحا بوصفها آفات مجسدة عابرة للحدود ولكن هناك آفات وأمراض تنتج في الحقل بسبب تراكم مسلكيات زراعية خاطئة عليهم أن ينتبهوا لها ويكتسبوا الثقافة الزراعية المناسبة للقضاء عليها والحد من آثارها والعمل على عدم وصولها لعتبة اقتصادية حرجة ما أمكن.

 

ومهما يكن من أمر فانه من الضروري أن نشجع أي خطوة في الإتجاه الصحيح أو أي ضوء في نهاية النفق بدل ممارسة النقد المثبط في قطاع ظل يترنح لعقود من الزمن تحت ظل السياسات الخاطئة، ولقد طالبت في الأيام الأولى لتولي الوزير الحالي عبر مقال تحت عنوان "وزارة التنمية الريفية والمخاض العسير" بوضع أسس لسياسة زراعية ناجعة تأخذ بعين الإعتبار الإمكانات والكوادر الفنية والمزارعين المنتجين والخصوصيين القادرين على الاستثمار الأمثل وأن القطاع بحاجة إلى هزة تاريخية تشمل أولوياته وهيكلته وسياساته.

 

وفي الختام تعودنا نقد سياسة الدولة والحكومة والوزراء وتحمليهم كافة الاخفاقات وننسى أو نتناسى أننا نتحمل أيضا جزء من المسؤولية، وعلى المزارع أن يدرك أنه ما من قطاع عمومي محدود الميزانية قادر لوحده أن يحقق كل شيء في بلد مترامي الأطراف تزيد مساحته عن مليون كلمتر مربع بل لا بد من تضافر جهود جميع المعنيين من منتجين ومزارعين وعمال وموظفين في قطاع التنمية الريفية واعلاميين ورأي عام وطني حتى نحقق ما نصبو إليه من تنمية لهذا القطاع الذي عانى بما فيه الكفاية بغية الوصول إلى الهدف الأسمى وهو تحقيق اكتفائنا الذاتي في زمن لم يعد أمام الدول إلا الاعتماد على نفسها ومقدراتها.

 

والله الموفق

تصفح أيضا...