فقيه موريتاني يفتي بأن «محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكار سنته لا يجتمعان في قلب مسلم»

ثلاثاء, 03/11/2020 - 17:26

نص السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
أخي في الله أطلب من سيادتكم الموقرة تبيين بعض الأمور يثيرها بعض الشباب اليوم للتشكيك في البخاري ومسلم من بينها أنه لا يلزم أن مافي البخاري ومسلم صحيح وأنه ربما تكون أحاديث صحيحة وتعارض نص الكتاب وأنه في الاخيرة لا يجوز تقديم الحديث هنا مهما كلف الثمن أريد منكم تلخيصا واضحا لهذه المسألة لأن كثيرا من الشباب اليوم يحتاج لحل هذه الشبه بشكل واضح ومنطقي.
جزاكم الله خيرا 
الأمر مستعجل وضروري 

جواب العلامة الشيخ ابراهيم:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته 

وبعد فإن تعظيم السنة هو تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم ومحبتها تبع لمحبته وتوقيرها من توقيره حتى جعل العلماء رفع الصوت عند سماع الحديث كرفع الصوت عنده . فيجب على كل مسلم اتباع ما ثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما في صحيح البخاري ومسلم ، فإنه مما تلقته الأمة بالقبول ، ولهذا قطع كثير من العلماء بصحة ما فيهما مجتمعين أومنفردين كما أشار إلى ذلك العراقي في ألفية الحديث بقوله : 

واقطع بصحة لما قد أسندا " 

فمن احتكم عند التنازع إلى ما ورد فيهما أو إلى ما ورد في غيرهما من الصحيحين فقد امتثل أمر الله قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )

ومن أبى من ذلك فقد دخل في مقتضى الوعيد الوارد في قوله تعالى ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) 

وقد اجتمع اليوم على إنكار السنة طائفتان : طائفة تجاهر بإلحادها وقد تصدر من بعضهم أحيانا سخرية واستهزاء والعياذ بالله ،وطائفة أخرى تستر بالدعوة إلى كتاب الله ونبذ ما سواه فيحتجون تارة بمناقضة السنة للكتاب وتارة يقدحون في الصحابة الذي نقلوها إلى الأمة وهذه الطائفة أخت شقيقة للأولى 

ﻓﺈﻥ ﻻ ﻳﻜﻨﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﻜﻨﻪ ﻓﺈﻧﻪ *
ﺃﺧﻮﻫﺎ ﻏﺬﺗﻪ ﺃﻣﻪ ﺑﻠﺒﺎﻧﻬﺎ * 

وقد استمالت هذه الشقيقة من نفوس العامة ولا سيما أحداث الأسنان أكثر مما استمالته الأولى لأنها أظهرت وجها مليحا وسترت جسدا قبيحا 

ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻣﻲ ﻣﺴﺤﺔ ﻣﻦ ﻣﻼﺣﺔ ... 
ﻭﺗﺤﺖ اﻟﺜﻴﺎﺏ اﻟﻌﺎﺭ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﺩﻳﺎ

ولم يدر أحد من هولاء العامة أن ظهور هذه الدعوة دليل من دلائل الإعجاز في السنة النبوية المطهرة ومصداق للأحاديث الواردة في إنكار أقوام للسنة ودعوتهم إلى كتاب الله فقد أخرج الحافظ أبو عمر بن عبد البر بسنده أن ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ قال: " ﻳﻮﺷﻚ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﻜﻢ ﻣﺘﻜﺌﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﻳﻜﺘﻪ ﻳﺤﺪﺙ ﺑﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻲ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻨﻜﻢ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻓﻤﺎ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﻼﻝ اﺳﺘﺤﻠﻠﻨﺎﻩ ﻭﻣﺎ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺣﺮاﻡ ﺣﺮﻣﻨﺎﻩ، ﺃﻻ ﻭﺇﻥ ﻣﺎ ﺣﺮﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﺜﻞ اﻟﺬﻱ ﺣﺮﻡ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ " 

وأخرج أيضا بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ﺃﺧﻮﻑ ﻣﺎ ﺃﺧﺎﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺘﻲ ﻣﻨﺎﻓﻖ ﻋﻠﻴﻢ اﻟﻠﺴﺎﻥ ﻳﺠﺎﺩﻝ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ " 

وأخرج بسنده أيضا ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻗﺎﻝ: ﺳﺘﺠﺪﻭﻥ ﺃﻗﻮاﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﻗﺪ ﻧﺒﺬﻭﻩ ﻭﺭاء ﻇﻬﻮﺭﻫﻢ ﻓﻌﻠﻴﻜﻢ ﺑﺎﻟﻌﻠﻢ ﻭﺇﻳﺎﻛﻢ ﻭاﻟﺘﺒﺪﻉ ﻭﺇﻳﺎﻛﻢ ﻭاﻟﺘﻨﻄﻊ ﻭﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﺎﻟﻌﺘﻴﻖ» 

وأخرج بسنده أيضا عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻗﻮﻡ ﻳﺠﺎﺩﻟﻮﻧﻜﻢ ﺑﺸﺒﻬﺎﺕ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺨﺬﻭﻫﻢ ﺑﺎﻟﺴﻨﻦ؛ ﻓﺈﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺴﻨﻦ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ " 

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة شهيرة يفيد مجموعها القطع بأن التشكيك في السنة واقع لا محالة من أقوام يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم فيتأولونه على غير تأويله ويحملونه على غير محمله وقد حذر عمر رضي الله عنه من خطورة تأويل هذه الفئة على الأمة فقال : «ﻣﺎ ﺃﺧﺎﻑ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﺆﻣﻦ ﻳﻨﻬﺎﻩ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻭﻻ ﻣﻦ ﻓﺎﺳﻖ ﺑﻴﻦ ﻓﺴﻘﻪ، ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺧﺎﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺭﺟﻼ ﻗﺪ ﻗﺮﺃ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﺘﻰ ﺃﺯﻟﻔﻪ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺛﻢ ﺗﺄﻭﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺗﺄﻭﻳﻠﻪ " 

وقال أيضا : «ﺇﻳﺎﻛﻢ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺮﺃﻱ؛ ﻓﺈﻧﻬﻢ ﺃﻋﺪاء اﻟﺴﻨﻦ ﺃﻋﻴﺘﻬﻢ اﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺃﻥ ﻳﺤﻔﻈﻮﻫﺎ ﻓﻘﺎﻟﻮا ﺑﺎﻟﺮﺃﻱ ﻓﻀﻠﻮا ﻭﺃﺿﻠﻮا» 

وقد اشتهر من هذه الفئة في العصر الحاضر رجلان لهما معرفة واسعة بالفلسفة أحدهما : محمد شحرور أستاذ الهندسة المدنية بجامعة دمشق والآخر : عدنان إبراهيم خطيب مسجد بالجامعة النمساوية أثار هذا الرجلان شكوكا واسعة في السنة النبوية وتأولوا كتاب الله وفق آرائهم فأولع بعض الشباب بكتابات شحرور وخطابات عدنان وهذا أمر طبيعي لسببين:

السبب الأول: بعد هولاء الشباب عن مجالسة العلماء وتعلم أحكام الشرع فلم تكن عقولهم محصنة بسور متين من العلم ولا متسمكة بحبل وثيق من الشرع فكان حالهم كما قال القائل : 
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى 
فصادف قلبا خاليا فتمكنا 

ولقد قال علي كرم الله وجهه : ﺇﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﺃﻭﻋﻴﺔ ﻓﺨﻴﺮﻫﺎ ﺃﻭﻋﺎﻫﺎ ﻟﻠﺨﻴﺮ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﺛﻼﺛﺔ: عالم ﺭﺑﺎﻧﻲ، ﻭﻣﺘﻌﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﻧﺠﺎﺓ، ﻭﻫﻤﺞ ﺭﻋﺎﻉ ﺃﺗﺒﺎﻉ ﻛﻞ ﻧﺎﻋﻖ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻀﻴﺌﻮا ﺑﻨﻮﺭ اﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻟﻢ ﻳﻠﺠﺌﻮا ﺇﻟﻰ ﺭﻛﻦ ﻭﺛﻴﻖ،" 

السبب الثاني : فصاحة عدنان إبراهيم ومهارته في فن الخطابة التي تعودها في مسجده ، فكان لهذه الفصاحة تأثير كبير في رواج أفكاره ، وقد وقعت الإشارة إلى هذه الصفة في الحديث السابق ( ﺃﺧﻮﻑ ﻣﺎ ﺃﺧﺎﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺘﻲ ﻣﻨﺎﻓﻖ ﻋﻠﻴﻢ اﻟﻠﺴﺎﻥ ﻳﺠﺎﺩﻝ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ") 

فهذا الحديث بين أن الرجل الفصيح البليغ إذا لم يلجم لسانه بالسنة ويراض بآدابها فإنه يكون خطرا على الأمة وهذا ما دعا عمر بن الخطاب إلى حبس الأحنف سيد أهل البصرة و ذلك أنه قدم عليه فخطب خطبة بليغة أعجبت عمر رضي الله عنه ، ﻓﺤﺒﺴﻪ ﻋﻨﺪﻩ ﺳﻨﺔ ﻳﺨﺘﺒﺮﻩ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻭﻟﻴﻠﺔ ﻓﻼ ﻳﺄﺗﻴﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﺛﻢ ﺩﻋﺎﻩ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺃﺗﺪﺭﻱ ﻟﻢ ﺣﺒﺴﺘﻚ ﻋﻨﺪﻱ؟ ﻗﺎﻝ : ﻻ ' فقال عمر ﻛﻨﺖ ﺃﺧﺸﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻨﺎﻓﻘﺎ ﻋﻠﻴﻢ اﻟﻠﺴﺎﻥ ﻭﺇﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﺬﺭﻧﺎ ﻣﻨﻪ ﻭﺃﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﻓﺎﻧﺤﺪﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺮﻙ " 

وما تدعيه هذه الفئة من مناقضة بعض الأحاديث الواردة في الصحيحين لما في كتاب الله إن هو إلا ظن يظنونه غير متحرين ولا متثبتين ،فالمناقضة لا بد فيها من اتحاد مورد النفي والإثبات ، وقد وضع علماء الأمة ثلاث قواعد علمية يرجع إليها عند ظهور المعارضة بين الأدلة الشرعية : قاعدة الجمع وقاعدة النسخ وقاعدة الترجيح ، وهي مقررة في فن الأصول، ولجهلهم أو تجاهلهم لهذه القواعد انحرفوا عن المحجة البيضاء التي ترك النبي صلى الله عليه وسلم عليها هذه الأمة وقد تجلي هذه الانحراف في نقطتين :

1 ) أنهم تأولوا كتاب الله على غير تأويله فحملوه على غير مراد الله ،وقد أشير إلى هذه النقطة في حديث عمر ( ﻭﻟﻜﻨﻲ ﺃﺧﺎﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺭﺟﻼ ﻗﺪ ﻗﺮﺃ اﻟﻘﺮﺁﻥ ﺣﺘﻰ ﺃﺯﻟﻔﻪ ﺑﻠﺴﺎﻧﻪ ﺛﻢ ﺗﺄﻭﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮ ﺗﺄﻭﻳﻠﻪ " 

وهذا أمر يقع فيه كل من يقول برأيه غير عارف بمعهود لسان العرب وأسباب التنزيل فالقرآن جار على أساليب العرب في كناياتها ومجازاتها ومقاصدها الأصلية والتابعية. فتارة تطلق العام . وتريد الخاص .وتارة تطلق الخاص وتريد العام . وتارة تستعمل اللفظ وتقصد به معناه الحقيقي . وتارة تستعمله وتقصد معناه المجازي وتارة تعطل المفهوم وتارة تأخذ به 

وإلى هذه الأساليب في الخطاب القرآني أشار ابن عاصم في مرتقى الأصول بقوله : 

أصل الادلة القرآن ما كتب *
في المصحف الذي اتباعه يجب *

أنزله سبحانه على النبي *
وقال فيه بلسان عربي *

ففيه ما في ذلك اللسان* 
من الدلالة على المعاني *

من جهة الدلالة الأصليه *
أو التي تكون تابعيه *

كذاك ما للعرب من مقاصد *
موجودة فيه لدى الموارد* 

مثل الكنايات عن الأشياء *
والنص والإجمال والإيماء *

والقصد للمنطوق أو تأصليه *
والأخذ بالمفهوم أو تعطيله * 

والقصد للمجاز والإيهام *
والحذف والإضمار والإبهام *

والسوق للمعلوم كالمجهول *
لنكتة واللحظ للتأويل *

والقصد للتخصيص في العموم *
أو عكسه وقس على المرسوم *

فهو على نهج لسان العرب *
فاسلك به سبيل ذاك تصب *

ومن يرم فهم كلام الله *
بغيره اغتر بأصل واه * 

فمن كان جاهلا بهذه الأساليب وبأسباب النزول فلا بد أن يتناقض عنده القرآن مع القرآن والسنة مع القرآن ، ويتكلف القول فيما لا يعلم

وقد بين الشافعي رحمه الله ذلك في رسالته فقال : إنما خاطب الله تعالى بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها ، وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها ، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره ، وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص ، وعاما ظاهرا يراد به الخاص ، وظاهرا يعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره ، فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره" 
ثم قال رحمه الله : من جهل هذا من لسانها فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه ومن تكلف ما جهل كانت موافقته للصواب إن وافقه من حيث لا يعرف غير محمودة وكان بخطئه غير معذور " 

ومن أمثلة جهل هذه الفئة بمعهود لسان العرب الذي نزل به القرآن أنهم يردون الأحاديث الصحيحة المستفيضة في عذاب القبر لأنها بزعمهم مناقضة لقوله تعالى ( ياويلنا من بعثنا من مرقدنا )
فلو كان عندهم إلمام بشيء من اللغة لتبين لهم أنه لا مناقضة لأن المرقد اسم مكان للرقاد وحقيقة الرقاد هو النوم فأطلق الرقاد على الموت والاضطجاع في القبور تشبيها بحالة الراقد ، والاستعارة والتشبيه معهودان في لسان العرب ، ومن حمله من المفسرين على وجه الحقيقة فإنه بين اختلاف الزمانين ،فقال إنه نوم بين النفختين ومن شرط التناقض اتحاد الزمان 

٢ ) إخلالهم بقواعد الاستنباط فإن القواعد العلمية تقتضي وجوب النظر في جميع الأدلة الواردة في الجزئية المطلوب استخراج حكمها. فلا يقتصر الباحث في نظره على دليل دون دليل .فإن اقتصر كان ذلك سببا في غلطه وانحرافه ، وقد بين الشاطبي رحمه الله هذه النقطة بيانا شافيا .فقال : ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد وهو الجهل بمقاصد الشرع وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض ، فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها وعامها المرتب على خاصها ومطلقها المحمول على مقيدها ومجملها المفسر بمبينها إلى ما سوى ذلك من مناحيها، وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي ، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا باليد وحدها ولا بالرجل وحدها ولا بالرأس وحده ولا باللسان وحده بل بجملته التي سمي بها إنسانا كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها ، لا من أي دليل كان . وإن ظهر لبادي الرأي نطق ذلك الدليل. فإنما هو توهمي لا حقيقي ، فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة متحدة . وشأن متبعي المتشابهات أخذ أي دليل كان عفوا وأخذا أوليا ، وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي " 

ما بينه الشاطبي هنا من الفرق بين استدلال الراسخين واستدلال الزائغين هو القول الفصل في المسائل التي يثرها أولئك الشباب تبعا للخطيب الفليسوف عدنان إبراهيم الذي يتبع منهجية التقسيط والتجزئة في الاستدلال فهو يتبع أي دليل كان من غير مراعاة للأدلة الأخرى الواردة في نفس الجزئية المبحوث في حكمها وقد ألقيت منذ سنوات محاضرة بطلب من شباب تشبع بعضهم بفكره ، فبينت لهم أن طريقة الزائغين سلكها عدنان إبراهيم في كل مسألة من المسائل التي أخذوها عنه وتقبلوها منه ، لأنه غيب عن أذهانهم الأدلة الأخرى التي قد تكون أظهر دلالة وأقوى سندا من الدليل الذي تمسك به في تقوية رأيه وترويج شبهته ، 

ومن أخطر نتائج هذه الدعوة هو محو التعلق في نفوس المسلمين بالنبي صلى الله عليه وسلم وإخلاء قلوبهم من الشعور بالمحبة والتعظيم لأن أقوى أمارة المحبة هو اتباع سنته ولن يجتمع في قلب امرئ محبته وإنكار سنته ، قال تعالى ( ﻗﻞ ﺇﻥ ﻛﻨﺘﻢ ﺗﺤﺒﻮﻥ اﻟﻠﻪ ﻓﺎﺗﺒﻌﻮﻧﻲ يحببكم اﻟﻠﻪ ﻭﻳﻐﻔﺮ ﻟﻜﻢ ﺫﻧﻮﺑﻜﻢ) 

ولله در القائل : 
ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺣﺒﻚ ﺻﺎﺩﻗﺎ ﻷﻃﻌﺘﻪ 
ﺇﻥ اﻟﻤﺤﺐ ﻟﻤﻦ ﻳﺤﺐ ﻣﻄﻴﻊ

تصفح أيضا...