مقابلة مع الرسام هاشم تايه

خميس, 25/07/2019 - 14:03

هاشم تايه مواليد البصرة  1948  رسام و نحات محل سكنه  البصرة ، منحوتاته من الورق المقوى اي الكارتونات و هو يصنع هذه الاعمال بالتعاون مع الفنان ياسين وامي ، وقسم من اعمالهما كانوا جزءا من الجناح الوطني العراقي تحت عنوان “مرحبا بكم في العراق” بينالي فينيسيا الـ 55 في عام  2013

هاشم تايه يعمل على الورق المقوى والمواد المستخدمة منذ عام 1981  عندما كانت الحرب بين العراق وايران كانت مواد الرسم باهضة الثمن و غير متوفرة و هنا يتحدث إلى رؤيا حول عمله الجديد.

 ما كان المؤثر الرئيسي الذي جعلك تعمل على هذه السلسلة الجديدة من الأعمال؟

هناك عوامل (مؤثرات) عديدة تتفاعل وتمارس تأثيراتها المتباينة على الفنان وتنعكس نتائج تفاعلها على نحو مباشر او غير مباشر على منجزه الذي ترشح عنه أشكال استجاباته وردود أفعاله على تلك النتائج بالارتباط بمستوى وعيه الجمالي. وهذه المؤثرات، بالنسبة لي، نابعة من مصادر مختلفة، فهناك تأثير الحياة العامة التي أعيشها الآن، وهي حياة أنتجتها صراعات قوى متنافسة معروفة بقصور رؤيتها في قضايا عديدة، وتحاول تسويق شكل من الحياة يتسم بالجدب والفظاظة والشحة في ما يمكن أن يهبه لفنان متطلّع، وهذا الشكل من الحياة يواجه الفنان بتحدياته ويستفزه، ويؤثر في تعبيره بصورة غير مباشرة.. وهناك تأثيرات المكان والثقافة التي يعيش بها مجتمعي، وهي ثقافة تراجعت قيم المدنية فيها خلال عقود السنوات القريبة، وخضعت لضغوط قوى متسلطة… وتظهر، طبعاً، في أعمالي آثار من ماضي حياتي بحرماناتها ومكبوتاتها التي ترسبت في قاع اللاوعي مني وتسللت خلسةً إلى ما أنجزته من أعمال..

أخيراً هناك التأثير الحاسم الأهم لرؤيتي الفنيّة، وتطلّعي إلى تطوير خطابي الجمالي بالبحث والتجريب والمغايرة.

 لماذا تحول عملك من النحت إلى الرسم؟

لقد بدأت مسيرتي الفنية كرسام منتصف سبعينات القرن الماضي، ومعظم معارضي الشخصية السابقة هي معارض رسم، لكنني شرعت أنجز تكوينات وشواخص نحتية في العام 2007 مستخدماً مواد وخامات غير تقليديّة، وكان اندفاعي إلى النحت نابعاً من رغبتي في تنويع خطابي الجمالي، وهي رغبة ماتزال قائمة في مشروعي الذي يتعايش فيه النحت والرسم ويتضامنان. وتمثل سلسلة أعمال الرسم الجديدة عودة حميمة إلى وسائلي وأدواتي الفنية التي عملت بها على مدى عمر تجربتي.. ووراء هذه السلسلة الجديدة من أعمال الرسم هناك إغراءات اللون والخط والسطح التصويري والمساحة، وهي عناصر لغة تصويريّة جاذبة تختزن طاقات وإمكانات تعبير عالية لا غنى عنها لأية تجربة.

ما هي الدوافع الرئيسة والمواضيع التي تستخدمها؟

أهم تلك الدوافع هي المتعلقة بمشروعي الفني الذي يمثل هدف حياتي، ومعنى وجودي، ويعكس رؤيتي الفردية تجاه ما أعيشه وأواجهه، وأفكر فيه.. والمواضيع التي عالجتها تمثل مهيمنات الوجود الذي أعيش فيه، وأتفاعل معه، وتعكسه أعمالي بصورة فنيّة قوامها تركيبة حسية من الأشكال والرموز والأقنعة للتعبير عن مشاعر ومكبوتات كائن يعيش في تاريخ خاص وفي لحظة توتر مفارقة. وهذه التركيبة التمثيليّة خضعت لفعل الرسم الذي وجد فرصته مفتوحة لامتلاكها فأعاد تخليقها بأهواء لغته المرئية الخاصة في تمثيل جمالي يخاطب العين ويستثير استجابتها الجمالية، وتتكشف خلاله قوى الرسم وطاقاته. وبشكل ما يمكن عدّ بعض هذه الأعمال سيرة ذاتية بلغة صُوريّة لا تخلو من سرد مرئي. كما عالج عدد آخر منها موضوعة العنف بطبيعته المطلقة في الحياة والوجود، وبوجوهه وأقنعته في الطبيعة البشرية.

Untitled, 2014. Image courtesy of Hashim Taeeh.

 هل أثرت الرحلة إلى مدينة البندقية على أعمالك الحالية؟

الرحلة إلى البندقية والمشاركة في البينالي فرصة وفرتها مؤسسة رؤيا للثقافة العراقية المعاصرة، وكان من الطبيعي جداً أن تكون لزيارتي هذه المدينة العريقة التي تشبه متحفاً فنياً كبيرا آثار انعكست بشكل ما على أعمالي الحالية.. الثمانية عشر يوماً التي أمضيتها في البندقية فتحت عيني على ثقافة حيّة يتجاوب فيها إرث الماضي مع إنجازات الحاضر على المستوى الفني، ولقد أدهشني في هذه المدينة سحر المكان الطبيعي الخلاب الذي اجتذب إليه لغات متنوعة، وثقافات شتى، ورؤى مختلفة لأجناس من البشر يلتقون هنا ويتحاورون عارضين فرادتهم في الفن والثقافة.. الطراز المعماري العريق الذي تمت المحافظة عليه في البندقية كان رائعاً. أما أجنحة البلدان التي شاركت في البينالي فقد تنوعت الأعمال التي عرضت فيها تنوعاً مذهلاً وتفاوتت جمالياً وعكست أشكالاً من الوعي الفني الساعي إلى الإدهاش ولو عبر إيقاع الصدمة. وتناولت هذه الأعمال مواضيع تمس قضايا عصرنا الحالي بتفوقه التكنولوجي المذهل الذي تتعملق فيه الآلة، ويتضاءل الإنسان الذي يتعرض وجوده ومستقبله ومصيره إلى تهديدات ومخاطر جمّة.

 ما كان أول فني أعجبت به في حياتك، ولماذا؟

أول عمل فني أعجبت كان عملاً فنياً فطريّاً لجدتي (هديدة) وهي أمّ أمّي، وكان ذلك في صباي حيث كنت أزور بيتها القصبي في حي (نهير اللّيل) بالبصرة. كانت تستخلص من جدول قريب كمية من الطين، وكانت تتربع على بساط من الخوص، وتنحت أمامي من الطين خيولاً صغيرة وفرساناً يمتطون ظهورها، وأتذكر إلى الآن أسلوبها الخاص في النحت. أما لماذا أعجبت بأعمالها، فلأنها كانت تجعلني أشعر بمقدار النشوة واللذة والاستمتاع الذي يحصده المرء وهو يعالج موضوعاً فنياً ويقوم بإنجازه، وهذا ما كنت أطالعه في وجهها وهي في استغراقها وانتشائها بنحت خيولها وفرسانها، وأدهشني في عملها طابع البساطة الذي تعمل به وتواضع المادة لمخلوقاتها.

ما هو مكانك المفضل في البصرة؟ ولماذا؟

تعرضت مدينتي البصرة إلى الخراب والدمار على مدى سنوات الحروب الطويلة التي تورط فيها النظام الدكتاتوري السابق، وخسرت البصرة، التي تحولت أراضيها إلى ساحات مواجهة ومعارك ضارية، الكثير من معالمها الحضارية، ودمرت الحروب بساتين نخيلها، وتلوثت بيئتها باليورانيوم المنضب الذي جرّ على قاطنيها مخاطر الإصابة بأفتك الأمراض، وبعد فوضى التغيير الذي وقع العام 2003 نال المدينة ما نالها من التشويه والرثاثة، وعانت من التصحر مع شحة مياهها، وارتفاع نسب الأملاح فيها، وفقدان العديد من أراضيها الزراعية التي استولت عليها شركات النفط، وتفاقم الأمر  بعد استشراء ظاهرة تجريف الأرض الزراعية وتقطيعها إلى قطع سكنيّة. وعجزت الإدارة المحلية عن تبني أية سياسة فاعلة للقضاء على معالم التشويه والخراب الذي طال المدينة.

المكان المفضل لديّ في البصرة، رغم ندرة أماكن الترفيه فيها، هو كورنيش شط العرب حيث يمكنني التجول ماشياً على الرصيف المديد المحاذي ضفة النهر، أو الجلوس على إحدى مصطباته للاستغراق في التأمل.

حدثنا عن عائلتك وحياتك اليومية، وتاريخ العائلة، وأحداث مهمة في العائلة والحياة العامة التي أثرت عليك شخصياً.

أنا ربّ أسرة صغيرة

زوجة وبنتان وولدان، ابنتي الكبرى شيرين (بكالوريوس آداب اللغة الإنجليزية) تعمل في إحدى الدوائر الحكومية، وقد تزوجت قبل سنوات من موظف يعمل معها واستقلت به مع بنتين وولدين أنجبتهم، وابني الأكبر علي (بكالوريوس هندسة حاسبات) هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأسباب قاهرة، وهو يقيم هناك مع زوجته وأبنائه الثلاثة، أما ابنتي فرح (بكالوريوس طب) فتعمل في أحد المشافي بالبصرة، وحصلت على فرصة نيل درجة الدكتوراه في الطب بعد اجتيازها بنجاح امتحان القبول، وأمس زففناها إلى خطيبها! ابني الأصغر آدم (بكالوريوس هندسة معمارية) هو من بقي يقيم معنا في البيت، وعائلتي وأحفادي مصدر سعادة كبرى حصلت عليها، بكثير من المشقة والعناء والصبر. أحداث الحياة العامة التي أثرت على حياتي عديدة بينها حالة اليتم التي تعرضت لها في فترة مبكرة من حياتي إثر وفاة أمي وأبي، ومعاناتنا كعائلة أسوة بغيرنا من أبناء شعبنا من أهوال الحكم الدكتاتوري الجائر الذي لقينا منه الأمرين: (أعدم أخي الأكبر بسبب انتمائه السياسي، وقام بنقلي من عملي السابق في مؤسسة التعليم إلى مؤسسة الزراعة لنفس السبب، وعرّضني للتعذيب الشنيع في أحد مقار أجهزته القمعية في العام 1978). وخلال سنوات الحصار اضطررت إلى العمل في صنوف شتى من الأعمال لأجلب الطعام لأسرتي، فعملت كاتب حسابات في أثناء الليل لدى صاحب علوة خضار، فبائعا لفاكهة وخضار في دكان صديق، فأجيراً في محل عطارة لدى عطّار عريق، فبائع طحين بالمفرد على الرصيف، فخطّاطاً ورسّام بورتريت في مرسم فنان صديق، فمدرساً بفرصة نادرة في ليبيا. وأنا الآن في السنة الأخيرة من خدمتي الحكومية بعد عودتي، بسبب الفصل السياسي، للعمل في مديرية الزراعة في البصرة. وحياتي اليومية بسيطة محصورة بين العمل في دائرة الزراعة، وانقطاعي للرسم والنحت في بيتي.
المصدر ruyafoundation.org

تصفح أيضا...