
يشكّل الإعلان الأخير لرئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، عن حزمة واسعة من الإجراءات الموجّهة للشباب، محطة فارقة في مسار التعاطي الرسمي مع هذه الفئة التي تُعدّ عماد المجتمع وطاقته الحيوية الأكبر.
فالالتزامات المعلنة، سواء على مستوى التشغيل أو الإشراك في صناعة القرار أو تشكيل هيئات مؤسسية جديدة، تعكس، في ظاهرها، انتقالا من الوعود العامة إلى خطوات أكثر دقة وبُعدا مؤسسيا.
ما يميز هذه الإجراءات ليس فقط حجمها، بل طبيعتها؛ فإعلان إنشاء جهاز مؤسسي للتشاور مع الشباب على المستوى المحلي، ونقل صلاحيات المجلس الأعلى للشباب إلى هيئة فنية جديدة أكثر تخصصا، يشي بأن الدولة تتجه نحو بناء آليات دائمة بدل المقاربات الظرفية.
إن هذا النوع من المؤسسات يمكن أن يساهم، إذا أحسن تشغيله، في تحوّل ثقافي داخل الإدارة، يُشرك الشباب مباشرة في بلورة القرارات المتصلة بولاياتهم ومجتمعاتهم.
كما أن إطلاق اكتتاب لـ 3000 موظف وتعزيز ميزانية صندوق التشغيل وتوسيع المشاريع المموّلة للشباب، تعتبر إجراءات عملية تستجيب لأحد من أكبر التحديات التي تواجه الشباب، ألا وهي البطالة وضعف الفرص.
ويعكس إعلان الرئيس التعهد بتوفير 30 ألف فرصة عمل خلال عامين، في قطاعات التعدين والتنمية الحيوانية وغيرها، إدراكا رسميا، على أعلى المستويات، بأن المستقبل الاقتصادي للبلد مرهون بتمكين شبابه وإدماجهم في الدورة الإنتاجية.
ومن اللافت في خطاب الرئيس تأكيده أن تمكين الشباب “لا يُمنح بل يُنتزع بالإرادة والعمل”، وهي رسالة تتجاوز الإطار الحكومي لتؤسس لمعادلة جديدة مفادها أن الدولة تفتح الأبواب، لكن على الشباب أن يكونوا فاعلين لا متلقين. وبذلك يصبح تمكين الشباب مسؤولية مزدوجة بين الالتزام الحكومي والتفاعل الشعبي.
ورغم أهمية هذه الخطوة، فإن نجاحها لن يكون مضمونا ما لم تُحصَّن من مخاطر البيروقراطية والتباطؤ، التسييس والزبونية، وخلق عراقيل داخلية.
فقد أثبتت تجارب سابقة أن القرارات الطموحة قد تُفرغ من مضمونها حين تتسلّمها الإدارات التقليدية المثقلة بالتعقيد والرتابة.
وما لم تُمنح الهيئات الجديدة استقلالية فعلية ووسائل تنفيذ واضحة، فإنها قد تتحول، كما حدث في تجارب مماثلة، إلى واجهات شكلية.
ثم إن أية خطوة موجهة للشباب تصبح بلا معنى إذا تحولت إلى قناة للمحسوبية أو الزبونية الحزبية. ولذلك فإن أهم ما يجب ضمانه هو أن يستفيد الشباب على أساس الكفاءة والحاجة، لا الولاء والانتماء.
كذلك، ففي إدارات كثيرة، توجد مقاومة غير معلنة للتغيير، وقد تظهر في شكل تأخير، أو إعادة تفسير القرارات، أو وضع شروط تعجيزية.
إن هذا النوع من “التعطيل الهادئ” يعتبر أمرا في غاية الخطورة، لأنه يحدث تحت السطح ويقوّض الأهداف المعلنة دون أن يلاحظ الرأي العام ذلك.
ولكي لا تبقى هذه الإجراءات النبيلة مجرد شعارات جذابة لكنها فارغة، فلا بد من وضع آليات رقابة شفافة لمتابعة تنفيذ التعهدات، ونشر تقارير دورية حول فرص العمل التي تم خلقها فعليا، وكذلك ضمان تمثيل حقيقي للشباب داخل الأجهزة الجديدة، لا مجرد حضور رمزي، فضلا عن إشراك المجتمع المدني الشبابي في التقييم والمتابعة.
فالإجراءات التي أعلنها رئيس الجمهورية تُعد خطوة جادة في الاتجاه الصحيح، لأنها تجمع بين الإصلاح المؤسسي والدعم الاقتصادي وتوسيع المشاركة. لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى يقظة مستمرة لضمان تنفيذها كما أُعلنت، بعيدا عن التلاعب أو العرقلة أو الاحتواء السياسي.
إن تمكين الشباب ليس هدية دولة ولا شعار حملة، بل مشروع مجتمع لا يكتمل إلا بتكامل الإرادة السياسية والإدارية مع حيوية الشباب أنفسهم.
وإذا نجحت موريتانيا في تحويل هذه الوعود إلى واقع ملموس، فإنها تضع حجر الأساس لنهضة وطنية جديدة عنوانها: شباب في قلب التنمية… لا على هامشها.
بقلم: محمد تقي الله سيد لمين
رئيس اللجنة الشبابية لحزب نماء

