موريتانيا والصبر الاستراتيجي: الرد الأمثل على النظام الفاشل في مالي! / محمد الأمين ولد القاظل

أحد, 28/09/2025 - 11:03

 

تمَّ مؤخرا تداول مقطع مصور على منصات التواصل الاجتماعي يظهر فيه من يحمل صفة "وزير المصالحة" في مالي، وهو يسيء إلى موريتانيا بشكل يثير الشفقة أكثر مما يثير الغضب؛ فحال هذا البلد الشقيق والجار معروف، ومن المثير للشفقة حقّا أن يسخر وزير في بلد على طريقه للانهيار والتفكك من بلد آمن ومستقر له علاقات حسنة مع الجميع.
لقد أثار هذا المقطع — المثير للشفقة أولا — موجة من الغضب الشعبي في موريتانيا، تخللتها دعوات لرد رسمي حازم. وهذا شيء مفهوم ومتفهم ومبرر عاطفيا، خاصة وأن هذه الإساءة تأتي بعد سجل مؤلم من اعتداءات الجيش المالي على مواطنين موريتانيين مسالمين خلال السنوات الأخيرة.

 

من المتفهم حقّا أن يثير هذا المقطع المسيء غضب كل موريتاني وطني لا يجامل في الدفاع عن سمعة بلده، ولكن في مجال السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول، فإن الأمور لا يمكن أن تُدار بالعاطفة والانفعال، بل إنها تُدار بالحكمة وبما يخدم المصالح العليا للبلد في الحاضر والمستقبل.

 

إن انجرار الحكومة الموريتانية وراء استفزاز كهذا، رغم إغراءاته ودغدغته لعواطف ومشاعر الكثير من الموريتانيين، قد يوقعنا في فخ نصبه النظام المالي الذي يعاني من أزمات داخلية متفاقمة، وصلت إلى مستويات بالغة الخطورة تنذر بقرب سقوط هذا النظام، وربما تفكك الدولة المالية.

 

يدرك النظام الانقلابي في مالي أنه يواجه تحديات وجودية: تدهور الأمن، فقدان السيطرة على أغلب الأراضي المالية، أزمة اقتصادية خانقة، ضعف الشرعية السياسية، وضغوط شعبية متصاعدة. وفي مثل هذه الظروف، تلجأ الأنظمة الفاشلة والضعيفة — كما هو حال النظام الانقلابي في مالي — إلى تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، باعتبار ذلك آخر مخرج لها لصرف انتباه المواطنين عن إخفاقات النظام الداخلية وفشله البيّن في إدارة وتسيير شؤون البلد.

 

إن الإساءة إلى موريتانيا من طرف وزير مالي ليست إلا محاولة بائسة ويائسة من حاكم باماكو  لخلق "عدو خارجي" يوجّه إليه غضب الشعب المالي، ويشغله عن مشاكله الداخلية التي وصلت إلى مستويات لا تُطاق؛ خاصة في الفترة الأخيرة، والتي أحكمت فيها الحركات المسلحة الحصار الاقتصادي على نظام غويتا الفاشل، والذي أصبح يجد صعوبة حتى في توفير المحروقات لتنقّل "وزير المصالحة" الذي سخر مؤخّرا من موريتانيا في المقطع المتداول على منصات التواصل الاجتماعي.

 

إن كل هذه الأزمات التي يحاول النظام الانقلابي في مالي أن يخلقها مع موريتانيا — البلد الوحيد الذي رفض أن يحاصر الشعب المالي ويشارك في تجويعه — إنما هي من أجل إطالة عمره لأشهر معدودة، ولذا فإن أي رد صدامي من موريتانيا تحركه العواطف على الاستفزازات المالية سيكون بمثابة وقوع في الفخ، وسيشكل خدمة مجانية للنظام المالي الفاشل؛ فأي ردة فعل قوية من الحكومة الموريتانية ستمنح للنظام الذي يحتضر في مالي "حقنة حياة" من خلال إعطائه فرصة ثمينة لتأجيج مشاعر الماليين والظهور لهم بأنه يدافع عنهم ويحميهم من "عدو خارجي" هو موريتانيا.

 

نعم للصبر الاستراتيجي.

 

على موريتانيا أن تواصل حربها ضد الهجرة غير الشرعية، وأن تكثّف من نشاطها الاستخباراتي، وأن تعزز من وجودها العسكري في الولايات الحدودية. ولكن عليها كذلك أن تمارس سياسة ضبط النفس في التعامل مع النظام الفاشل في مالي، وهذا ليس موقف ضعف، وإنما هو موقف ناضج يجمع بين القوة والحكمة.

 

إن الأنظمة الفاشلة التي تُحرم من خلق "عدو خارجي" لتوجيه غضب شعبها الداخلي إلى ذلك العدو الخارجي ستنهار حتما، وستسقط من الداخل بسبب تراكم إخفاقاتها الكبيرة. ولذا فترك النظام المالي يواجه أزماته الداخلية هو الموقف الأسلم، وهو أقوى وسيلة للرد على استفزازات هذا النظام الفاشل.

 

إن موريتانيا قادرة على أن تنتصر بصمتها المدروس وصبرها الواعي على النظام الانقلابي الفاشل في مالي، وقادرة على أن تُفشل مخططات هذا النظام وسعيه لتصدير أزماته إلى الخارج لينجو من حبل المشنقة الذي بدأ يقترب كثيرا من رقبته.

 

وعندما يسقط النظام الفاشل في مالي — وهو سيسقط حتما بعد ان اكتملت كل علامات سقوطه — فحينها سنقطف ثمار صبرنا الاستراتيجي، وحينها سيكون بإمكاننا أن نفتح صفحة جديدة مع الحكام الجدد في مالي. ولن يقف الشعب المالي ضد فتح صفحة جديدة، خاصة بعد أن تجنَّبنا السقوط في فخ نظام غويتا الفاشل. ولو أننا كنا قد سقطنا في هذا الفخ لتمكن النظام الفاشل في مالي من خلق عداء بين الشعبين الشقيقين والجارين، الشعب الموريتاني والمالي، وكان من الصعب تجاوزه مستقبلا، حتى ومن بعد سقوط ذلك النظام.

 

لقد حكمت الجغرافيا على بلدنا بأن يشترك مع مالي أطول حدود له، وحكم التاريخ والمصالح على الشعبين الموريتاني والمالي بكثير من التداخل الاجتماعي والاقتصادي، وتلك أمور يجب أن تكون حاضرة دائما قبل اتخاذ أي قرار قد يؤدي إلى إشعال حرب بين البلدين الجارين والشقيقين: موريتانيا ومالي.
حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين الفاضل 
[email protected]

تصفح أيضا...