في مدينة تندوف الجزائرية، تشاهد بشكل دائم، الدراعة و الملحفة و اللثام و الفقية (الجلابية)، و قد تحدثك نفسك "خطأ" أنك في إحدى مدن موريتانيا الحديثة، و ذلك بعض النظر عن وجود علاقات تاريخية و اجتماعيه و ثقافية وطيدة، بين ساكنة المدينة الجزائرية و سكان موريتانيا.
لقد ظلت تندوف منذ تاسيسها، على علاقة مع الشعب الموريتاني، خاصة إذا علمنا أن غالبية سكان المدينة من قبيلتي تجكانت و الرقيبات، اللتين لهما امتداد "او جذور" في بلاد شنقيط "موريتانيا الحالية" و عل مر الزمن، حافظ الجانبان على تلك العلاقات و الروابط، المتمثلة اساسا، في التبادلات التجارية و العلمية، فكانت للقوافل التجارية و الحجيج القادم من بلاد شنقيط، صوب البقاع الطاهرة، توقف شبه اجباري في مدينة تندوف، للتزود روحيا او علميا او ماديا، من حاضرة العالم الرباني و الولي، محمد المختار ولد بلعمش الجكني.
تاسيس مدينة تندوف
على بعد 75 كلم من الحدود الموريتانية (حاليا) و في عام 1270 ه الموافق للعام 1850 م، استقر العالم الجليل، محمد المختار ولد بلعمش في المنطقة و اسس مدينة تندوف، ليستوطنها هو و مجموعات من عشيرته،د (تجكانت ) و قد اختار هذه البقعة الأرضية، لمجاورتها لآبار مياه غزيرة، يقال إن المدينة اتخذت منها اسمها. حيث يرى مؤخرون، أن تندوف اصلها "تندفن" و هي تسمية القوافل لآبار المنطقة ،حيث كانوا يقيمون بحفرها إلا انها لا تلبث طويلا حتى تدفنها الرمال، فيما يرى آخرون أن الإسم أمازيغيا و هو عبارة عن كلمتين "تن" بمعنى عين" و 'دوف" بمعنى غزارة المياه، لكن كل ذاك لم يمنع المدينة من أن تشتهر بمدينة المختار ولد بلعمش او مدينة تجكانت او ملتقى القوافل الصحراوية...
و بعد قرار الاستقرار، شارع ولد بلعمش في بناء مسجد، لتحيط به بعد ذاك دور "المتقرين" الجدد، و بعد فترة ذاع صيت المدينة، لتصبح وجهة للباحثين عن التعلم و التعليم، فضلا عن شهرتها التحارية، و كبرت و صارت ملتقى رسميا لطريق القوافل، يتبادلون فيها بضائعهم و يتزودون من علوم "صاحبها" .
كانت المدينة سابقا تنقسم إلى جزئين مبنيين بالحجارة و الطين، يفصل بينهما وادي، مليئ النخيل، القديم من الحيين، يعرف باسم "حي موساني" و هو أسم فخذ من قبيلة تجكانت، و من أشهر الدور فيه، بعد الجامع العتيق، دار المؤسس و عالم الصحراء، محمد المختار بلعمش، التي تعرف ب "قصبة بلعمش" (في المدن القديمة، كما هو الحال عندنا، فإن اسم القصبة يطلق على الحي القديم).اما الجزء الثاني من المدينة، فيسمى ايضا على فخذ آخر من تجكانت: "الرماضين" و فيه كذلك مسجد عتيق و دور قديمة...
المقار..سوق الصحراء الكبرى
على مر العقود التي سبقت عام الاستقلالين الموريتاني و الجزائري، ظل سوق "المقار" بمدينة تندوف يشكل رافدا اقتصاديا كبيرا للمدينة المنبثقة توا من بين الصحراء و جبال "لحماده" د، حيث تشد إليه الرجالة من غالبية مناطق الصحراء الكبرى ، للبيع و الشراء و حتى لنسج علاقات اجتماعية بين زوار السوق و ساكنة المنطقة، حتى انه تقام خلال مناسبة السوق، تحالفات قبلية، كما تنظم في بعض الأحيان زيجات بينية، قد تتنقل بموجبها العروس إلى منازل عريسها و قد يستقر الرجل في بلدة زوجته الجديدة، ما يعزز العلاقة بين مجتمعيهما .
ينتظر ساكنة تندوف بشغف كبير، اكتمال بناء الطريق الذي يربطها بمدينة الزويرات، حيث يقولون، إنه سيطور من مدينتهم و ينميها و يجلعها أكثر ازدهارا، نتيجة التجارة الدولية و تدفق المنتوجات في الاتجاهين، كما انها ستسهل التواصل مع إخوتنا في موريتانيا، ما سيعزز أيضا ارتباطنا بثقافتنا "البيضانية" (الحسانية)، لللحاق ب "المصدر", لأن في التواصل، تبادل ثقافي أيضا لا يقل اهمية عن الاقتصاد و التجارة و السياسة، يقول أحد الفرحين يتقدم الأعمال في طريق تندوف - الزويرات.
علاقات ثقافية معقدة رغم وضوحا...
و في الأخير، يذكر انه في جنوب الجزائر، امتداد كبير و واضح، لثقافة "البيضان" و ممارساتهم الصوفية (القادرية و التيجانية)، ثقافة لا يعرف لحد الساعة، "اي من الجانبان أخذها من الآخر"؟!، في هذه المناطق (تمنراست - برج المختار - آدرار - زاوية كنته - تبلبالة - - تيارت - تندوف...) خاصة إذا علمنا، يقول باحث موريتاني جال مؤخرا في المنطقة، إذا علمنا أن من هذه المناطق ينحدر العديد من القبائل في موريتانيا: الشرفاء - الرقيبات- إدوعلي- كنته - أولاد داؤود - لبرابيش - لقلال، مشيراَ إلى جل هذه القبائل لكل منها زواية صوفية تحمل اسم القبيلة.
باباه ولد عابدين - مراسلون - تندوف (الجزائر)