الصور النمطية: الوجه الآخر / أحمد محمود ولد العتيق

جمعة, 07/01/2022 - 23:15

 
قادني حديث النخبة هذه الأيام عن الصور النمطية فيما يتعلق بالمكانة والدور في البناء الاجتماعي إلى بعض الأسئلة الملحة والمشروعة أردت أن أشارككم إياها في هذه العجالة.
أولا: إلى حد نحن صادقون في الشعارات التي نطلقها في كل مناسبة كهذه أو غيرها؟
وللإجابة على هذا السؤال فإن استدعاء مواقف النخبة عبر تاريخ تشكلها سيكون خير جواب على هكذا أسئلة وغيرها مما تعرض له الوطن والمجتمع من مطبات مختلفة .
ذلك أن مواقف نخبنا من مختلف المواقف والأحداث تسلك في الغالب مسلك المصلحة الشخصية إن لم نقل الرغبة الجامحة . ولهذا فإن تعارض مصالح هذه النخب هو الذي أفرز لدينا باستمرار يسارا ويمينا على عكس ما يحصل في العالم من حولنا. حيث يرتهن الجانبان لمبادئ أيديولوجية توجه الرؤية وتضبط السلوك.
و لن يتعب المتابع لردود أفعال نخبنا تجاه مستجدات الوطن والمجتمع في إحصاء مهرجان الألوان الذي تأخذه هذه المواقف في كل مرة يصادف أصحابها في أمر ما هوى أو مصلحة ما.
وفي هذا السياق ينبغي أن نشير إلى أن معظم هذه المواقف تفتقر في وصفها إلى الحد المنطقي لتعريف القضية أو الخطاب. _ "أستدعي هنا تعريف الحد المنطقي بأنه السور الذي يحدد نوع القضية. مثل " كل. بعض. لا أحد..." انتهى الاستطراد.
مواقف نخبنا في معظمها تنتقل من الأعلى إلى الأسفل.
رئيس الحزب هو الذي يقرر ويحدد الموقف، رئيس الجمعية وكبير الحقوقيين وأصحاب مراكز الدراسات.. كل هؤلاء هم من يصنع الرأي العام وفق الإيحاء الذي يقدمه.
إنهم يبعثون برسائل مشحونة بالإيحاء  تخلخل مواقف الجمهور المستهدف ثم سرعان ما يتبعونها بميكانيزمات نمطية هي الأخرى تدفع برسائلهم إلى الوجدان المشترك لجمهورهم المستهدف.
النخبة تعلم جيدا أنها تتعاطى مع جمهور معظمه أمي ولذلك فإن العزف على العواطف من شأنه أن يسرع اجتذاب المستهدفين وبالتالي خلق ما يسميه " كوستاف لوبون" * الجمهور النفسي*
مشكلتنا في هذا الوطن تعود تاريخيا إلى القطيعة العميقة ما بين النخبة والعامة. فالنخبة تنظر للعامة نظرة الراعي إلى قطيعة. إنه يحميه من الذئاب ولكنه يأكل منه ويبيع. أما العامة فتنظر إلى النخبة بالغبطة تارة لأنها من عمومتها أو صداقاتها كما أن النخبة " تتذاكى" على العامة ببعض فتات الموائد لتظل الحالة النفسية للعامة تماما مثل الشاة التي تجرى خلف القدح الممدود لها والذي يدخلها إلى الزريبة بسرعة.
النخبة إذن تحرك الواقع وفق مصالحها و من خلفها يتشنج الواقع وتكفهر الوجوه أو تنبسط الأسارير.
ولكم أن تستدعوا مواقف هذه النخبة منذ الاستقلال إلى اليوم.  فلن تخرج في معظمها عن هذا التوصيف.
وقد شكل خطاب رئيس الجمهورية  الماضي في وادان حول ضرورة إعادة تأسيس الدولة والمجتمع وفق نظامي مدني تتحدد المكانة والدور فيه وفق الكفاءة وليس التصنيف الإجتماعي القديم بابا للعبور إلى الحالة المثلى وتجاوز الصورة النمطية لنخبنا وواقعنا. ولهذا يجدر بنا أن نتصالح كنخب مع أنفسنا ونعيد تأسيس انتمائنا بحيث ننشغل بقضايا الأمة والوطن أكثر من انشغالنا بهمومنا الخاصة ومشاكل البيت والأسرة والجهة والقبيلة.
أعرف جيدا أن هذا المطلب صعب التحقق ولكنني متأكد أن إرادة الإصلاح الجادة وهذا السيل الجارف من العيون المحدقة في واقع الوطن والمجتمع عبر وسائط التواصل الاجتماعي سيكونان خير معين لنا جميعا على تجاوز الوجه الآخر للصور النمطية التي جعلت أداء نخبنا رديئا  جدا ورتيبا جدا.
أحمد محمود العتيق
باحث في قضايا الإنسان والمجتمع.

تصفح أيضا...