المعادن الإستراتيجية وصراع أميركا والصين (3/1) / أحمد الطالب محمد

أربعاء, 10/11/2021 - 22:53

نشر هذا المقال في موقع : الطاقة 

 

 

إجمالي احتياطيات المعادن الإستراتيجية النادرة في أنحاء العالم يبلغ 120 مليون طنالصين تمتلك بين يديها غالبية الإنتاج العالمي لمعادن التربة النادرةالتربة النادرة تُستخدم أيضًا في توربينات الرياح والسيارات الهجينة والمغناطيسالجيش الأميركي يواجه أزمة محتملة في سلسلة التوريد الخاصة بالمعادن الإستراتيجية

تُعدّ المعادن الإستراتيجية من القضايا المهمة التي برزت على الساحة مؤخرًا بين القوى العالمية، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى مختلف مصادر الطاقة.

فإذا كنت تمتلك هاتفًا أو حاسوبًا أو سيارة كهربائية أو شاشة تلفاز فأنت تضع بين يديك عناصر معدنية مهمة قد تغيّر ملامح العالم وميزان القوى الدولي وتُسمى المعادن النادرة أو  التربة النادرة التي لا يمكن تصنيع الأجهزة المذكورة دونها.

والتربة النادرة هي اسم -على غير مسمى- لعائلة مكونة من 17 عنصرًا من المعادن الغامضة والموجودة بالأسفل من الجدول الدوري، أو ما نسميه جدول مندلييف، تلك العناصر رغم وصفها بالنادرة توجد في كل مكان على الأرض.

وبكميات أكثر من العديد من العناصر الأخرى، حتى أندر هذه المعادن الإستراتيجية "الثوليوم"، هو أكثر وفرة من الذهب، لكن صفة الندرة التي تطلق عليها ترجع لكونها موزعة على أنحاء جغرافية متفرقة، لكن بتركيز ضعيف، ما يجعلها نادرة لما يتطلب جمعها وتركيزها من الجهد.

ومن بين المعادن الإستراتيجية النادرة الـ17 المكونة لهذه العائلة يوجد السيريوم والديسيبروسيوم والنيو-ديميوم، والبراسيوديميوم.. وعدة عناصر كتابتها أصعب من نطقها، لذا سأوفر عليّ وعليكم ذلك الجهد!

ماذا يجعل هذه المعادن بتلك الأهمية جيوسياسيًا؟

إن جمهورية الصين الشعبية تحصر بين يديها غالبية الإنتاج العالمي لمعادن التربة النادرة والعديد من المعادن الإستراتيجية الأخرى مثل البلاديوم والليثيوم، وهذا ما يشكّل إنذارًا قد يصبح تهديدًا للعديد من الدول، لسبب أن المعادن الرئيسة للتربة النادرة لا تُعالج إلا في الصين وحدها!

ولأن الصين يمكنها أن تمنع أو تحد من الوصول إلى هذه المعادن المستهلكة بكثرة في التكنولوجيا الحديثة وفي مجال الدفاع، ويشكل ذلك سلاحها الأهم في حربها التجارية مع غريمتها الولايات المتحدة الأميركية.

ويواجه الجيش الأميركي أزمة  محتملة في سلسلة التوريد الخاصة بهذه المعادن الإستراتيجية التي أصبحت نفط القرن الذي نعيشه.. لقد لعبت التربة النادرة دورًا رئيسًا في التقدم التكنولوجي الذي أُحرز في الخمسين عامًا الماضية، ويعتمد على هذه المعادن كل شيء بدءًا بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والهواتف الجوالة والألياف الضوئية وأجهزة الكمبيوتر والسيارات والصواريخ.

ومن المعلوم أن التربة النادرة تُعدّ جزءًا مهمًا من تكنولوجيا الصواريخ الموجهة بدقة بالليزر، إذ تعمل شركة Lockheed Martin Corp منذ مدة على تطوير سلاح ليزر صغير عالي الطاقة، يعتمد بشكل كبير على عناصر التربة النادرة من الإربيوم والنيوديميوم، التي يريد مختبر أبحاث القوات الجوية الأميركية اختبارها في طائرة مقاتلة تكتيكية نهاية هذه السنة.

ولإعطاء نظرة عن حجم استخدام هذه المعادن الإستراتيجية فإن مقاتلة من طراز F35 Lightning تحوى ما يزيد على 470 كيلوغرامًا من التربة النادرة، ويستخدم ما يقارب 4 أطنان من التربة النادرة في الغواصات الحربية من نوع فيرجينيا، ناهيك بكميات الإيتريوم والتيربيوم المستخدمة بكثرة في الاستهداف بالليزر والأسلحة الموجودة في المركبات القتالية وعناصر من التربة النادرة تستخدم في الصواريخ الموجهة.

وتُستخدم -أيضًا- التربة النادرة على نطاق واسع في مغناطيس قوي ودائم لا يتأثر بدرجات الحرارة القصوى، إذ تُستخدم المغناطيسات في أنظمة توجيه الصواريخ والتحكم فيها ومحركات الأقراص المثبتة في الطائرات والدبابات واتصالات الأقمار الصناعية وأنظمة الرادار والسونار.

وفي المجال السلمي تستخدم التربة النادرة -أيضًا- في توربينات الرياح والسيارات الهجينة والمغناطيس الذي هو أساس الصناعات الحديثة، مغناطيسات التربة النادرة تتميز بكفاءتها العالية، وكذلك بتصغير العديد من المكونات الإلكترونية المستخدمة في الأجهزة ومعدات الصوت والفيديو وأجهزة الكمبيوتر والمركبات وأنظمة الاتصالات والعتاد، ويمكن لخطوط الألياف الضوئية -بفضل عنصر الإربيوم- أن تنقل الإشارات عبر مسافات طويلة، لأن الإربيوم يضخم الإشارة.

الحرب الضارية ليست بالأسلحة

إن الحرب الضارية بين القوتين العظميين تدور رحاها بعيدًا عن الأضواء، وتتخذ من تأمين المعادن الحساسة الإستراتيجية أرضًا للمعركة التي بدأت بالفعل من سنوات عديدة، وما نراه اليوم من تحالفات وضربات كل قوة تسددها للأخرى ليس إلا فصولًا من تلك الحرب بسبب هذه المعادن الإستراتيجية.

جانب من التنقيب عن المعادن النادرة (الصورة من VCG)

نفط القرن الـ21

قبل قرن من الآن لم يكن أحد يتخيل أن ذلك السائل اللزج و"المتسخ" أيالنفط سيحدد مصير الكثير من بلدان  العالم.

واليوم ونحن في القرن الـ21، فإن عناصر المعادن الإستراتيجية النادرة -بالإضافة إلى معادن أخرى حاسمة في تكنولوجيا البطارية الجديدة، مثل الليثيوم والكوبالت- ستكون عاملًا مهمًا ومصيريًا لبعض البلدان، كما سيكون لها دور محوري في رسم خريطة العالم مستقبلًا.

لكن يسأل البعض كيف وصلنا إلى هنا؟ ولماذا أصبحت هذه المسألة مهمة إلى هذا الحد، مع العلم أن الجميع يعرف أن الصين ومنذ زمن بعيد تحتكر إنتاج المعادن الإستراتيجية النادرة في العالم؟

والجواب أنه خلال معظم القرن العشرين كانت الولايات المتحدة مكتفية ذاتيًا إلى حد كبير من هذه المعادن، إذ كانت تلبي جميع احتياجاتها من التربة النادرة من منجم ماونتن باس للتربة النادرة في كاليفورنيا، وبدأ التحول في التسعينيات نتيجة لعدة عوامل:

أولًا: أن الصين أبرمت عددًا من  اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ومع انخفاض تكاليف العمالة والمتطلبات التنظيمية، أصبحت موردًا بديلاً أقل تكلفة.ثانيًا: وسعت الصين بشكل كبير بنيتها التحتية لتصنيع الإلكترونيات، للاستفادة من مواردها من التربة النادرة.ثالثًا: أدت مشكلات تلوث إمدادات المياه واللوائح الأكثر صرامة في Mountain Pass إلى إغلاق المحطة في نهاية المطاف.

وخلقت هذه العوامل فرصة أمام الصينيين لفرض هيمنتهم في التعدين والإنتاج للأتربة النادرة، وهذا ما يفسر قلق الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الهيمنة الصينية في سوق عناصر التربة النادرة.

وقبل 20 أو 30 سنة كانت تكلفة إنتاج هذه المواد في الصين بسيطة، وكانت تجني أرباحًا منها مثل أي مادة تجارية، أما اليوم فأصبحت مبيعات الهواتف الذكية كبيرة جدًا، وباتت سوق السيارات الكهربائية مهمة ومستقبلية.

ونظرًا إلى أن خطوط العرض تتقلص، فإن التوترات الجيوسياسية ترتفع، ويصبح من يمتلك هذه المواد هو سيد الموقف خاصة إذا كانت مصيرية في صناعة التسليح العصري

إنتاج المعادن النادرة والليثيوم واحتياطيها

بالنسبة إلى التربة النادرة، وفقًا للتقديرات يبلغ إجمالي احتياطيات المعادن الإستراتيجية النادرة في جميع أنحاء العالم نحو 120 مليون طن، ويقع معظم الاحتياطيات داخل الصين التي يُقدر احتياطيها بـ44 مليون طن من هذه المعادن، تليها فيتنام ثم البرازيل وروسيا والهند.

أما على صعيد الإنتاج فينتج العالم ما يزيد قليلًا على 200 ألف طن من هذه المعادن الإستراتيجية التي تنتج جلها الصين.

وفي المقابل نجد عنصرًا مهمًا هو الآخر -الليثيوم - الذي يدخل في  العديد من الصناعات بصفته أحد المعادن الإستراتيجية.

ومن ناحية الإنتاج توجد بوليفيا والأرجنتين وتشيلي والولايات المتحدة وأستراليا من بين الدول الأكبر إنتاجًا.

أما فيما يخص الاحتياطيات فتمتلك كل من تشيلي 43.7%، وأستراليا 22.3%، والأرجنتين 9.0%، والصين 7.1%، والولايات المتحدة 3.6% من مجموع الإنتاج لسنة 2020.

لكن خلافًا للتربة النادرة فالليثيوم متوفر، ويبلغ مجموع مخزونه في الدول الخمس الأولى ما يكفي لتغطية ما يقارب 800 عام من الحاجة إلى الليثيوم إذا أخذنا مستوى إنتاجه لسنة 2020.

*أحمد الطالب محمد - خبير الموارد المعدنية في موريتانيا

تصفح أيضا...