فعل الاستقلال مصروفا و مصرفا /د.البكاي ولد عبد المالك- وزير سابق

جمعة, 27/11/2020 - 12:14

" أنا مستقل" في الرأي والفكر،مع أنني لست متأكدا من أن قول الحقيقة يطعم خبزا..."أنا أعرف أن الحقيقة قد تكون مؤلمة ولكن انظري ياعين ولا تجزعي" قالها بعض الفلاسفة حديثا.
أنا مستقل لأنني صرفت فعل الاستقلال جهرا في اجتماع الحكومة مرات ومرات، فكان الرد قاسيا: "اخرج منها فإنك رجيم": صرفته طورا بصيغة الحرية والكرامة الإنسانية - وهي الصفة الملازمة لوجود الإنسان لا ينفك عنها وإلا صار كالمعدوم- وبصيغة المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات بين مواطنين أحرار ومتساوين، فاتهمت بالتولي يوم الزحف...وصرفته طورا آخر في التحذير مما كنت أراه واقعا يوما ما من أثر "السبع العجاف" بالقول: سيدي الرئيس نحن شعب يمتلك ثروات طائلة من المياه والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة والألوف المؤلفة من الأيدي العاملة " المجانية" وليست الرخيصة، أتذكر أنني قلتها هكذا ..فلم نصرف الملايين من العملة الصعبة في  ما نحن قادرون عليه؟! وفي ما لو تفحصناه مليا ثم أعدنا البصر كرة، لوجدنا علته ظاهرة والله يتولى السرائر. 
سيدي الرئيس أنتم لستم بحاجة لمن يتقول لكم بعض الأقاويل أو من يثبت لكم حقيقة الثروة التى نمتلكها والنعم التي أنعم الله بها علينا ولا نلقى لها بالا،  أنا الذي أتحدث أمامكم أزرع وأحصد بيدي هاتين من رمال هذه المدينة التى نحن فيها ما شاء الله لي أن أزرع وأحصد ولا أملك ذرة تراب واحدة في الأراضي الزراعية الخصبة الممتدة على طول المئات من الكيلومترات من التربة الحمراء في منطقة النهر، ولا حظ لي من الخبرة في الزراعة غير الهواية وروح التحدي.سيدي الرئيس هب أن حادثا حدث فلم يأتنا "سبتنا"، أو  أن ظرفا ما طرأ فمنع منا الكيل فكيف المآل اذا تكون الحال؟ وما معنى الاستقلال حينذاك؟! فكان جوابه فعلا لا قولا، وكان صمته أبلغ من كلامه...كان واضحا فيما لم يعجز عن التعبير عنه بالجسد: قل ما تشاء، " إن لك موعدا لن تخلفه" أما لسان حالي أنا فكان مثل الفيلسوف ديوجين في رده على الاسكندر الكبير: سأذهب وأرجو ألا تحجب الشمس عني!
" أنت مستقلة" .. نعم قانون النوع يقول ذلك، والقانون فوق الجميع.. فقط لست متأكدا مما إن كنت قادرة على تجاوز عتبة المراحل النهائية من الدراسة الابتدائية لكي تكوني قادرة على التعبير عن ذلك. الأرقام والإحصائيات تحاصرك.. الذنب ليس ذنبك سيدتي. لكن ما حاجتك أصلا لأن تكوني مستقلة؟ وما الداعي إلى الحصول على حقوق مكتسبة ، المحاصصة تضمن ذلك.
" هو مستقل" .. إذا كان قادرا على ترك المنفى والحصول على موطئ قدم بيننا هنا ليساهم بخبرته في بناء وطنه وليكون بديلا عن الذين ماتوا و"يموتون" كل يوم وهم أحياء..تعرفون لماذا تكون فلسطين أمة عظيمة "بالقوة" لأن أبناءها في الشتات لو عاوا إليها بالخبرات الغنية والمتنوعة التي حصلوا عليها من جميع القارات لكانت - بالفعل- أعظم أمة على وجه الأرض، ولقهرت الأعادي وبانت عن ذوي القربى والرحم.. لذلك هي ممنوعة من الاستقلال. النأي عن الأوطان ليس عيبا، بل العيب كل العيب هو الحرمان من حق العودة إليها بالشروط التي تتطلبها العودة.
" نحن مستقلون" مع أنني لست مقتنعا  بأن السيادة قابلة للتجزاة.. السيادة الغذائية هي حجر الزاوية في كل سيادة وإلا صارت فعلا ممنوعا من الصرف. وحاجة الدولة إلى تأمين حاجتها من الغذاء ككيان ليست أقل أهمية من حاجة الكائن الفردي إلى الماء والأكسجين.
نعم نحن مستقلون الزمان شاهد على ذلك، وربما المكان أيضا.. نحن موجودون..مع أنني لا أعرف مقدار حاجتنا إلى من يطعمنا ويسقينا كالرضيع لا ينفك عن ثدي أمه، هو موجود لأنها تطعمه وتسقيه، فإن منعته الرضاعة كف عن الوجود.
" نحن مستقلون" .. فهل صنعنا المدرسة؟ الأمم ثلاث:
* أمة تغيرها المدرسة ، مع تعلقها ومحافظتها على تراثها وتقاليدها، فلا يحدث انفصام بين نزوعها القوي إلى الحداثة، وتمسكها الخرافي بأصالتها.
* أمة تغير مدارسها بتغيرها هي، فتجعلها نبراسا للتقدم ، وجهتها واحدة: النظر قدما إلى الأمام.
* أمة تغير المدرسة نفسها لتجعلها حقلا لتناقضاتها وإعادة إنتاج صيرورتها المجتمعية في واقع يشبه فعل التحنيط : انظارها مشدودة إلى الوراء، زمانها واحد، ومناهضة للتطور.
فأي أمة من هذه الأمم نحن؟ نعم نحن نغير المدرسة وننقل إليها سائر  امراضنا وعيوبنا عوضا عن ان نطلب منها المداواة والعلاج.معجزتنا هي أننا علمنا المدرسة ما لم تكن تعلم، وما لم تكن لتعلمه لو كانت في مكان آخر .
الأمم صنيعة المدرسة..عزتها وتقدمها تقاسان بما تقرره هي من تلقاء نفسها والعقول التي أنجبتها من سياسات تعليمية وأهداف تنموية وحضارية تضمن بقاءها في الوجود وتعزز مكانتها بين الأمم في ظل التدافع الحضاري...فهل لنا مدرسة بهذا المعنى؟
مع ذلك نحن مستقلون ولا بديل لنا عن الاستقلال. اعذروني جميعا إن كنت قد جرحتكم وعلى الصراحة فتلك سجيتي..إنه فقط عشق الاستقلال. نحن مستقلون رددوا معي:
بلاد الأباة الهداة الكرام****وحصن الكتاب الذي لا يضام
ايا موريتان ربيع الوئام **** وركن السماحة  ثغر السلام
سنحمي حماك ونحن فداك****ونكسو رباك  بلون  الأمل 
                        وعند نداك نلبي اجل
كل عام وأنتم بخير

تصفح أيضا...