لحراطين .. والأصول الهلالية / يحي ولد أعل شين

اثنين, 19/02/2018 - 18:56

عرف الفضاء الالكتروني والجلسات النقاشية في الصالونات وفي القهاوي خلال الفترة الأخيرة  الكثير من النقاش حول أصول لحراطين القومية  ومن خلال متابعتي لتلك النقاشات والآراء لاحظت أنها تنقسم إلى:

 رأي يقول بالأصول الإفريقية

رأي يقول بالأصول العربية

رأي  يقول ان مجموعة لحراطين مزيج بين العديد من القوميات .

وإسهاما في هذا النقاش فإني أميل وأرجح الرأي الثاني الذي يقول بالأصول العربية لمجموعة لحراطين وسأحاول دعمه ببعض الأدلة الاستدلالية الترجيحية   .. فمن خلال قراءتي لتاريخ الهجرات البشرية لهذه الأرض والقوميات التي سكنتها قبل تلك الهجرات .. تولد لدي سؤال كبير ومحير حول مصير "القبائل الهلالية" التي من الأكيد أنها وصلت هذه الأرض بشكل متزامن مع الهجرة الحسانية .. صحيح أن هناك بعض القبائل المحدودة التي ذكر بعض المؤرخين أنها من الأصول الهلالية .. لكن أين بقية قبائل بني هلال وما هو  مصيرها ..؟

الأكيد في التاريخ العربي أن أكبر هجرة شهدتها قبائل الجزيرة العربية  هي هجرة قبائل بني هلال والمعروفة في التاريخ العربي " بتغريبة بني هلال" ولهذا المصطلح دلالة خاصة  سنعود إليها لاحقا في هذه الملاحظات والتساؤلات التي ننشرها لتعميق النقاش حول الأصول الحرطانية .

وقبل ذلك سنعطي لمحة تاريخية عن الهجرة الهلالية الكبيرة  .. بنو هلال هم قبائل  عربية بدو في وسط نجد هاجرت من الجزيرة العربية إلى الشام ثم صعيد مصر ومنه انتقلت إلى باقي المغرب العربي الكبير بعد إزعاجهم للدولة الفاطمية فأستخدمهم  الخليفة الفاطمي لغزو شمال أفريقيا.

وقد تميز تاريخ بني هلال بكثير من الاضطراب والصراعات مع الدول والأنظمة أدت إلى تفرق القبائل الهلالية وتشتتها في كل من الشام والعراق والجزيرة ومصر قبل أن يتم دفع بطون كبيرة منها إلى الهجرة نحو شمال إفريقيا والمغرب العربي وهو ما عرف لاحقا في التاريخ العربي بالتغريبة الهلالية ..

لقد كان الحذر والتخوف من القبائل الهلالية كبيرا إلى درجة أن جميع الدول والأنظمة كانت تخشاهم وتحاربهم باستمرار لإضعافهم. و عمل الخلفاء العباسيون على التصدي لهذه القبائل بجيوشهم  النظامية وتم إضعافهم وأسر الكثير من أبنائهم ورغم تضييق الخناق عليهم وإضعافهم إلا أن شوكة بني هلال ظلت قوية وفاعلة في المواجهة والتصدي للخصوم ..

الدخول إلى إفريقيا والمغرب العربي ..

بعد الصراع الدامي بين القرامطة والدولة الفاطمية  ما كان من الخليفة الفاطمي إلا أن استخدم  بني هلال ضد القرامطة فكانت ما سمي فيما بعد في التاريخ الإسلامي هجرة بني هلال التي دخلت بدورها إلى التراث العربي فيما سمي بتغريبة بني هلال الملحمة العربية الوحيدة التي تروى من المحيط إلى الخليج.

دخول بني هلال إلى افريقية..

إن آخر موطن  للقبائل  الهلالية كان إفريقية، وذلك عندما نزلوا في العاصمة القيروان  ولم  تكن تونس إلا  محطة من محطات بني هلال قبل تفرقها في المغرب العربي وشمال إفريقيا وصولا إلى موريتانيا ، وتؤكد الأبحاث أن اكبر تجمع للقبائل الهلالية  حاليا يوجد بجمهورية السودان.

بنو هلال في موريتانيا  ..الصراعات والهجرة

                                لقد وصلت القبائل الهلالية إلى موريتانيا  منهكة بفعل الصراعات والحروب التي خاضتها  والأكيد أنها خاضت بعض الحروب والصراعات مع بني عمومتها من القبائل الحسانية وكذلك القبائل الصنهاجية الحميرية وغيرها من سكان هذه الأرض .

إن التساؤلات الكبيرة التي نحن بصدد بحثها تتعلق بمصير هذه القبائل في موريتانيا وأين ذابت وهل تم إخضاعها واستعبادها من طرف القبائل الأخرى أم أن الهجرة الهلالية وصلت موريتانيا بأعداد محدودة وذابت في المجتمعات الأخرى..؟

أم أن هذه القبائل واصلت هجرتها ولم تستوطن بشكل دائم في موريتانيا وبقيت منها أعداد متفرقة تم إخضاعها من طرف المجموعات القبلية المهيمنة..؟

الراجح عندي بالنسبة للتساؤل الأول .. أن القبائل الهلالية وصلت بأعداد لا تقل كثرة عن الهجرة الحسانية وبالتالي نتخلص من فرضية أن تكون القبائل الهلالية وصلت بأعداد قليلة ، أما بخصوص الشق الثاني من التساؤل فالأكيد أن القبائل الهلالية خاضت حروبا وصراعات قوية مع المكونات الاجتماعية الأخرى وسيطرت على أراضي كبيرة ، ولعل أبرز تلك الصراعات والحروب التي خاضها "التوابير الكحل" والحكاية الشعبية الخالدة حول قوة بطشهم " حيث تروي الحكاية الشعبية أنهم إذا نزلوا بمنطقة يرغمون أهلها على تقديم " الدهن لتشربه  خيلهم "

ثم إن الراجح عندي أن مكونات "الخالفة الكحلة" في الإمارة التروزية غالبيتهم من الأصول الهلالية ومن المعروف أنهم محاربون أشداء رغم استقرارهم النسبي وممارستهم للفلاحة والزراعة عكس القبائل المحاربة الأخرى وقد كان لقبهم "الخالفة الكحلة" نسبة إلى بشرتهم .

 أما بخصوص التساؤل الثاني.. فإني أميل إلى أن أعدادا كبيرة من قبائل بني هلال لم تستوطن بشكل دائم في موريتانيا وواصلت هجرتها  في دول الساحل " مالي ، النيجر،  اتشاد ، وصولا إلى السودان . وبقيت في موريتانيا أعداد محدودة ظلت تصارع إلى أن تم إخضاعها واندمجت ضمن نطاق مجموعات قبلية أخرى.

ومن الراجح عندي أيضا أن  إمارة  "أولاد رزق" هي إمارة هلالية ـ رغم أن المؤرخين يحسبونها من الإمارات الحسانية ـ   تأسست  وحكمت منطقتي الترارزة ولبراكنة مابين القرن 9 و11 هجري ، ونفس هذا الاسم "أولاد رزق" مازال في البطون الهلالية خاصة في تونس ،  وقد تحالف ضد هذه الإمارة أبناء عمومتها  من المغافرة وتم إسقاطها وذابت تشكيلات كبيرة منها في البطون الحسانية واصبحت تنتسب إليها ، كما شهدت هجرات نحو الشمال والجنوب .  

ومن المعروف في ذاكرة البدو أنه إذا  انقطعت أخبار قبيلة أو مجموعة معينة  يقال  بأنهم انقرضوا وهذا الأمر ليس بالضرورة واقعيا وإنما خرجوا النطاق والحيز الجغرافي الذي كانوا يسكنونه  أو زال ملكهم - " مثل القول الشعبي السائد أن أولاد أمبارك "أقوى الإمارات الحسانية على الإطلاق" انقرضوا والواقع أنهم زال ملكهم فقط وشهدوا هجرات من الحيز الجغرافي الذي كانوا يحكمونه واندمجوا ضمن مجتمعات أخرى .. وهذا دليل على أن بني هلال قد هاجروا أو اندمجوا ضمن مجتمعات أخرى خوفا من الانتقام الذي كان يلاحقهم ليس فقط في الحيز الموريتاني وإنما في منطقة المغرب العربي وشمال افريقية بشكل عام .

ظهور التقسيمات والاصطلاحات في السلم الاجتماعي الموريتاني ..

لم تكن الاصطلاحات أو التقسيمات الاجتماعية موجودة قبل الصراعات الكبرى التي فرضتها  الهجرات العربية المتأخرة " الحسانية والهلالية"

قبل ذلك لم يكن أي من المصطلحات  والتقسيمات الاجتماعية ـ"حساني ، أو عربي ، أو زاوي ، أو حرطاني ، أو معلم ، أو ايكيو، أو ازانكي  "ـ موجودا بل هي حالة فرضها الواقع الجديد ، وقد جمعت هذه الاصطلاحات في مصطلح جامع هو "البظان" وقد أخذت هذه الاصطلاحات عدة دلالات  على أساس المهنة أو الممارسة ، أو نحلة العيش  ومنها ما هو على أساس اللون حتى  ..  

ما يهمنا هنا هو مصطلح " حرطاني "  الذي يساوي في الاصطلاح الحساني "عبارة سوداني"  ويرى بعض  دارسي وباحثي التاريخ أنه ربما يكون أحد اشتقاقات "الحراثين "لكننا نرجح أنه اصطلاح يعني لون  البشرة والدليل على ذلك أن "حراطني وسوداني لهما نفس الدلالة اللفظية"  وأن أصول المصطلح تعود إلى "لهجة آزناكه" .

إن ما أريد أن أصل إليه هنا هو أن بعض البطون الهلالية خاصة ذوي البشرة السوداء والداكنة  قد دخلوا نطاق "المصطلح الحرطاني"  ومع تطور الصراعات الاجتماعية  ذابت هذه البطون الهلالية ضمن نطاق "المصطلح البيظاني الجامع ، و من المعروف أن بني هلال في العالم العربي غالبية بطونهم داكني البشرة إلى سوداويي البشرة.

الملاحظات والخلاصات  ..

  • غالبية لحراطين ينتمون إلى البطون الهلالية العربية وهذا ما تدعمه الأدلة والقرائن التي ذكرنا سابقا .
  • مجموعات كبيرة من لحراطين لم تخضع للاستغلال البشري " العبودية" وظلت لها نفس الثقافة والهوية العربية من لغة  ونحلة العيش  والزي ، ونمط الأغذية  ، والشعر اللهجي والفصيح والموسيقى واستخدامهم للناي العربي " النيفاره"،  مما يدلل على أنها ثقافة أصلية وليست مكتسبة بفعل الجوار أو المساكنة.
  • إن الخطاب القائل   بانتماء  لحراطين إلى  أعراق غير عربية لا يعدو كونه خطابا متطرفا يعتمد على اللونية في تحقيق أهدافه المريبة  .
  • أن الهوية الموريتانية هوية عربية افريقية والباحثين عن غير ذلك مجرد صيادين في المياه العكرة .

 

تصفح أيضا...