نظام التزكية المظلوم: / أحمد محمد دَدِّيه

أربعاء, 08/05/2024 - 11:10

يعني نظام التزكية في القانون الانتخابي الموريتاني وجوب حصول كل مترشح لمنصب رئيس الجمهورية على تزكيات ترشيح من 100 مستشار بلدي بينهم 5 عمد، مع وجوب انتماء هؤلاء لأكثرية الولايات.

 

نظام التزكية هذا بصيغته الحالية مقرر بموجب المادة 5 من القانون النظامي رقم 2012/028، الصادر بتاريخ 12 إبريل 2012.

 

هذا النظام كمعظم قواعد القانون الانتخابي الموريتاني يتميز بأن جميع تعديلاته وصولا لصيغته الحالية كانت مخرجات حوارات سياسية بين مختلف الأطياف في الساحة السياسية الوطنية، فهو

 

نظام تشاوري اتفاقي سياسي بدرجة أولى وليس نظاما مفروضا من طرف سلطة تنفيذية.

 

فقد خضع النظام الانتخابي للحوار والتشاور السياسي خلال السنوات 2005، 2012، 2017، فكان ثمرة اتفاقات سياسية، وفي ظله تم تنظيم عدة انتخابات رئاسية ماضية، بما فيها انتخابات 2014، و 2019 الأخيرة، التي كان فيها رئيس الجمهورية الحالي مترشحا كما كان بعض المترشحين الحاليين مترشحا أيضا (بيرام الداه أعبيد).

 

 

خلال الحوارات الساسية الماضية (2005، 2012) كان بعض الطيف السياسي المعارض والموالي يطالبون بتعزيز نظام التزكية بهدف ما يسمونه حماية وصيانة منصب رئيس الجمهورية من ترشح كل من هب ودب، ومن الترشحات "السائبة" التي تسيء للمنصب وإلى المترشحين الفعليين الجديين.

 

وقد ترافق نظام التزكية مع إجراءات أخرى تم الاتفاق عليها سياسيا وفُرضت بقوانين نافذة، ليتعلق الأمر بمنظومة متكاملة متراكمة، ومن تلك الإجراءات إلغاء الترشح المستقل، ومنع الترحال السياسي، وذلك بهدف إيجاد كتل سياسية فعلية لها حضورها من أجل المشاركة في الانتخابات الرئاسية.

 

وإذا كان النظام الانتخابي أبقى على إمكانية الترشح المستقل في الانتخابات الرئاسية بخلاف البرلمانية والبلدية فإنه قيّد ذلك بحصول المترشح على تزكيات يتطلب الحصول عليها دعم كتل سياسية فعلية لها حضورها السياسي المحلي تستطيع تأمينها، منعا لحصول الترشحات الرئاسية من فراغ سياسي وشعبي.

 

نشأ عن منع الترحال السياسي، وعن منع الترشح المستقل في الانتخابات البلدية امتلاك الأحزاب السياسية لأصوات وتزكيات المستشارين والعمد الناجحين على لوائحها، وبالتالي للأحزاب كامل الحق في منح التزكيات ومنعها لمن وعن من تشاء.

 

الانتخابات الرئاسية استحقاق سياسي، بل هي الاستحقاق السياسي الأكبر، وبالتالي فمن حق الأحزاب السياسية المالكة لمخزون التزكيات أن تسيرها بالمنطق السياسي الخالص.
على الرغم من هذه الحقيقة القانونية والسياسية يطالب مترشحون محتملون للانتخابات الرئاسية المقبلة 2024، من أحزاب سياسية في موقع الأغلبية حاليا نتيجة الانتخابات البلدية والنيابية

 

الأخيرة، وهم يعارضونها وينافسونها تزكيتهم، ويخرجون بالتزكية عن إطارها القانوني الموريتاني الحالى، وواقعها السياسي فيعتبرونها حقا لهم.
 

 

أبعد من ذلك يحَمِّل بعض المترشحين الحكومة الحالية ورئيس الجمهورية الحالي المسؤولية عن نظام التزكية بوضعه القانوني القائم، وعن عدم حصولهم على التزكيات المطلوبة، على الرغم من أن رئيس الجمهورية الحالي غير مسؤول عن نظام التزكية، وعلى الرغم أيضا من أنه لم ينظر سياسيا في أي انتخابات رئاسية ماضية إلى هذا النظام كعرقلة للترشح ولا كأداة في يد السلطة القائمة لاختيار من ينافسها لأنه ببساطة ليس من وضع أي حكومة بل هو نظام متشاور عليه ومتفق عليه سياسيا، ومعمول به منذ حقب زمنية وسياسية.

 

في ظل عدم استطاعة بعض المترشحين لانتخابات 2024 الرئاسية الحصول على دعم كتل سياسية قائمة تستطيع تأمين التزكيات المطلوبة قانونا تحولت جوانب من دعاية هؤلاء المترشحين أو "مشاريع المترشحين" على الأصح إلى التحامل على نظام التزكية، وتحميل السلطة الحالية المسؤولية عنه، وهو أمر يكذبه الواقع القانوني التاريخي.

 

إن انتقاد نظام التزكية في المرحلة الحالية بعد فتح باب الترشح، وبعد تنظيم عدة استحقاقات رئاسية في ظله، وتحميل مترشح منافس مسؤوليته يكشف عجز بعض المترشحين، وانطلاقهم من فراغ سياسي وشعبي، أكثر من أي شيء آخر.

 

أحمد محمد دَدِّيه

تصفح أيضا...