الصواب يستحضر ذكرى القيادي البعثي ولد ابريد الليل / ذكرى رحيل الأستاذ

خميس, 13/01/2022 - 16:09

ذكرى رحيل الأستاذ / افتتاحية الصواب 

 

 

 

استحضار الذكرى الأولى لرحيل  الاستاذ الكبير محمد يحظيه ولد ابريد الليل، ليس أمرا سهلا مثل التنقل في الصحراء والسير في ( مُشتبِهاتٍ لا منار لها  من خاضها رَكبَ  الأهوال والغررا ) فهو  يستدعي استحضار الحديث عن إرثه النضالي والفكري المناهض للاستعمار ودَوِيه الثوري  الأصيل الغائص في موجات الحداثة، المقاوم للاستلاب الثقافي، وفهمه العميق  لبنية المجتمع الموريتاني بحزئياتها الدقيقة،  وحمله عن قناعة متحكمة للهم القومي وقضيته المركزية فلسطين،  وتجربته المرة مع أنظمة الحكم العسكرية وصبره على معاناتها ، وفلسفة المغالبة القائمة في ذهنها اتجاه المشتغل في السياسة،  فحينما لا يكون في  سجونها فهو في طريقه الى الرئاسة.. وارتفاع سقف كلفة العمل النضالي لديه على هذا النحو أزيد من نصف قرن، ظلت فيه كل القضايا التي ضحى من أجلها و عبّر عنها  ودخل من أجلها المعتقلات مطروحة وراهنة كما كانت أيام انخراطه في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته لتنظيمه في القطر الموريتاني، رغم تغير سياقها الوطني والقومي وتقهقر بعض حامليها وتوقف بعضهم الآخر  وحيرته أو انسحابه بهدوء وصعود أجيال جديدة كانت في المهد حينها او لم تولد بعد...
يضاعف من صعوبة الكتابة عن سيرة الاستاذ وما تركه من إنتاج فكري  وتجربة نضالية، أمور  أخرى منها  صمته الطويل عن الحديث عن تجربته السياسية الشخصية  فلم يتطرق لتفاصيلها الا في شذرات قليلة وردت قبل وفاته بقليل كما هو الحال مع رسالة بعث بها لزميله الصحفي ولد بهيت، أو ما ورد في شذرات من حلقات ابَّنَ بها المصطفى ولد بدر الدين، ولا يستبعد ان تكون مستلة من مذكراته  وسيرته الذاتية التي تاكد يقينا انه استوفى كتابتها منذ فترة قبل وفاته رحمه الله و لم تر النور الى الْيَوْم لأسباب محيرة !! 
كان الاستاذ يستنكف الحديث عن حياته او الكتابة عنها أو توثيق ما له علاقة بمعاناته،  واعتقاله وتعذيبه حتى مع تلاميذه وحوارييه، ومن طُرف هذا الجان حين طلب منه رفاقه أخذ صورة جماعية داخل أحد عنابر السجن 1995 اعتذر  مستطردا بأن الحيطة تقتضي عدم ذلك لأن المحققين 1982 قدموا له صورة مع السفير الفرنسي في نواكشوط Michel Removille معتبرين أنها  صورة له مع الاستاذ ميشيل عفلق في دمشق !!..
أما الصعوبة الثانية فهي أن اعمالا عديدة كتبها لم تترجم في حياته ربما تضمنت زبدة أفكاره المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالحقائق الاجتماعية لسكان المجتمع الصحراوي في شمال القارة الافريقية وروابطه الانسانية وتداخلها والعلل والأسباب التاريخية  التي جعلته متميزا على المستوى الانساني والقومي وتحتاج دراستها الفعلية جهدا انتروبولوجيا مسلحا بالمعرفة العلمية الحديثة مفارقا في الرؤية والمنهج لما قام به الاداريون الغربيون وتلامذة المستشرقين في دراستهم لمجتمعاتنا . 
كانت الندوة المقرر تنظيمها بمناسبة الذكرى الاولى لرحيل الاستاذ فرصة لتقديم  ورقات عمل متكامل وجهد بحثي جماعي يتطرق إلى هذه الجوانب  بالاعتماد على التقصي والبرهان والملاحظة والقياس وشهادات من عاصروا الاستاذ وما تم الحصول عليه من محيطه الاسري عن حياته الخاصة .
لكن اشتداد الجائحة وظروف الفزع المصاحبة لها أوقفت الخطوات النهائية للندوة قبل انعقادها باسبوع، وأعلن عن تأجيلها إلى وقت تنحسر فيه الموجة الحالية من الوباء بإذن الله، وهو ما سيعطي للباحثين فرصة إضافية لإثراء اعمالهم بمزيد من التنقيب وتحسين جودتها والعثور على أكبر قدر من الاحتمالات والوثائق المرجوة و ان يصاحب الأمر بتسريع لجهود بدأت لترجمة ما بقي من أعمال الاستاذ على اصله :  (  un cadavre sur la dune ) ( les chameaux qui rit ) ( Aoueïliyène le solitaire ) بالتعاون مع شخصيات مهتمة بتراثه الفكري ومستاءة من غياب جهد جماعي يستحقه من الدارسين لقاء ما قدمه لوطنه ومجتمعه من جهد وتضحيات ..

تصفح أيضا...