يَوْمُ العَنـْصَرَه../ القاضي أحمد ولد المصطفى " تدوينة "

جمعة, 2016-06-24 11:55
يتعبر سكان الواحات " يوم العنصرة " يوم صدقة من الثمار و هو بالسنبة لهم يمثل البدء الرسمي في أخذ ما يسمونه " التكلاع"

يوافق اليوم الجمعة ٢٤ من شهر يونيو يوما في الثقافة الشعبية الموريتانية يسمى "يوم العَنـْصَرَه"، كان كبار السن من الموريتانيين يولونه اهتماما خاصا، ويتحرونه، وضَبَطَ تاريخَه ناظمهم بقوله:
ويم "كَدٍّ" هو يوم العنصرا - - وبعده فالتنظرن المطرا//، و "كد" بحساب الجمل المعروف لدى الموريتانيين تعني ٢٤ فالكاف ٢٠، والدال ٤..
ويرتبط يوم العَنـْصَرَه عند الموريتانيين ببداية موسم الأمطار، وبتحول في ما يسمونه "المحسوبة" أو "النَّوْبَه" حيث تحدث تغيرات في المناخ باتجاه البرودة شيئا ما، بهبوب رياح الهِكْرِي، بعد موجة حر "رَدْم أنْجُومْ"، ويرتبط يوم العنصرة بأساطير عديدة، منها أنه بقدر ما هب فيه من الرياح يكون مستوى التساقطات المطرية، فإذا كانت الرياح قوية استبشروا بموسم أمطار جيد، والعكس صحيح..
ومن تلك الأساطير أيضا أن من أخذ شيئا من الحصى الذي تثيره رياح يوم العَنـْصَرَه وذره في حقله كان حصاده في ذلك العام جيدا، ومن ذره على تجارته ربحت..
في بعض مناطق موريتانيا يحددون يوم العَنـْصَرَه على أساس ما يسمى "لحْسَابْ التالي" أي بفارق ١٣ يوما عن التاريخ الأول ٢٤ يونيو، فيكون يوم ٧ يوليو..
في مناطق واحات النخيل يكف المزارعون عن النخيل حتى يوم العَنـْصَرَه، حيث يتعين في هذا اليوم دخول واحات النخيل، والأخذ من كل نخلة، وأي نخلة لم يقطع منها شيئ يوم العنصرة تذهب البركة منها..
يفسر كبار السن يوم العَنـْصَرَه بأنه يوم لعن عجوز يهودية مصرية تسمى "ساره" جاءت من مصر إلى المدينة المنورة، ورسمت خطة لإغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، بأن شكت إليه شخصا يعتدي على نخل لها تعيل به أيتاما عندها، تريد بذلك أن يخرج معها وحيدا لينظر في قضيتها فتأتي به يهودا فيقتلوه، لكن عليا رضي الله عنه خرج معه كما تقول القصة، وكان ذلك كفيلا بإفشال الخطة، فنشأ من ذلك "لَعْنُ سَارَه" لتتحول الكلمة مع الزمن إلى العَنـْصَرَه، ولم أتوسع في تفاصيل القصة، لأنها تفتقد إلى المصداقية العلمية والتاريخية..
في المسيحية واليهودية يوجد عيد معروف يسمى عيد العنصره، مرتبط بشكل عضوي بعيد القيامة أو الفصح، ويأتي خمسين يوما بعده، ويجعل ذلك تاريخه متغيرا تبعا لتحديد تاريخ عيد الفصح أو القيامة، على أنه يكون في الغالب في شهر مايو، وتقام فيه احتفالات وطقوس معينة، وهو عطلة رسمية في كثير من الدول ذات التقاليد المسيحية واليهودية، وينظر إلى عيد العَنـْصَرَه في الثقافة اليهودية بأنه عيد مرتبط بموسم الحصاد، وترجع التسمية إلى الكلمة العبرية " عنصريت" التي تعني الإحتفال، أو التجمع..
يذكر أن يوم ٢٤ يونيو الموافق ليوم العَنـْصَرَه، موافق أيضا ليوم مقدس لدى المسيحيين، وهو يوم ميلاد نبي الله يحيى بن زكرياء عليهما السلام، المعروف لدى المسيحيين بيوحنا المعمدان..
في الثقافة الأمازيغية المنتشرة في شمال إفريقيا يتم الإحتفال كذلك بيوم العَنـْصَرَه، بنفس التسمية، يوم ٢٤ يونيو، أو يوم ٧ يوليو، وفق التقييم الأمازيغي، حيث تقام طقوس معينة مرتبطة أيضا بموسم الحصاد، كما يرتبط يوم العنصرة لدى الأمازيغ بتوقعات موسم الأمطار، ومن الطقوس التي تقام فيه إشعال نار كبيرة، والرقص عليها، وذر رمادها في الحقول رجاء حصاد جيد في ذلك العام، والسباحة في البحر، وسقي المواشي منه، مع اعتقاد وجود بركة خاصه في مياهه في هذا اليوم، ويشير بعض المثقفين الأمازيغ إلى أن يوم العَنـْصَرَه سرى إلى الثقافة الأمازيغية من التراث اليهودي..
ولا أستبعد شخصيا أن يكون سرى إلى الثقافة الموريتانية من الثقافة الأمازيغية، إن لم يكن سرى من اليهودية والمسيحية بشكل مباشر، وإن كانت المخيلة الشعبية حاولت قطع جذوره تلك وربطه بالتاريخ الإسلامي من خلال القصة السابقة، المجهولة في السيرة والتاريخ الإسلامي..