
منذ تفجر قضية زيني ـ رحمه الله ـ وبعض الأصدقاء يسألونني لماذا لم أكتب عنها، فأقول إنها قضية جنائية لم أتبين ملابساتها بما يكفي، رغم تألمي الشديد لواقع تلك الأم وبناتها، ولا أرغب في الدخول في أمر قد يفهم منه إعفاء طرف من مسؤولية أو تحميل آخر جريمة دون بينة كافية. خاصة أنني سمعت روايات متضاربة جدا، وكانت الحجة الأغلب المسكتة التي واجهني بها بعضهم أن المطالبة بتحقيق جدي قد تنصف ذوي الضحايا، ولا تعني بالضرورة تجريم غير المجرم، فهي ليست تهمة لأحد بقدر ما هي سعي إلى الحق والانصاف، هنا اتفقتُ مع الجميع.
ـ هنالك ثغرات كبيرة شابت تعاطي الأجهزة القضائية والأمنية مع الملف، بكل أسف، مثلا لم أسمع أي كلام عن الأرقام التي اتصلت على المرحوم قبيل وفاته، مَنْ أصحابها؟ ما ذا دار بينهما؟ ما هو توقيت المكالمات بالضبط؟ كل هذه أمور سهلة ويمكن الحصول عليها تقنيا دون كبير عناء إذا حصلت الإرادة. أما التشريح والطب الشرعي وغيره فمعلوم أن كل ذلك في بلدنا أمر مثير للشفقة.
ـ أهم شيء في هذا الأمر هو إصرار تلك الأم المكلومة وتلك الأخوات الشفـيقـات المفجوعات على معرفة الحقيقة، وإن استمر ذلك الاصرار، مع هذا الظهير الكبير من الرأي العام قد يعطي نتيجة، أو على الأقل يفضح تقصير أجهزة القضاء والأمن أو عجزها أو تواطئها، وهذه قد تكون بداية لكل مظلوم لرفض السكوت مقابل الضغوط السلطوية أو الاجتماعية، أو الاغراءات المالية، هذا بدوره سيكون عاملا مساعدا في تحقيق العدل، وعدم إهدار دماء الضحايا، وحقوق المغتصَبَات وغيرها من المظالم.
ـ ما سمعتُه من ذوي الضحايا وخاصة أم المرحوم زيني وأخواته، وبعض المتعاطفين معهن من معلومات وآراء، وما سمعتُه اليوم من طرف فريق دفاعه في مؤتمره الصحفي المسجل، كل ذلك يحمل تساؤلات جدية، ويوضح ثغرات حقيقية من الصعب معها قبول طي الملف بهذه الطريقة، ويجب على الجهات الرسمية المعنية الإجابة على كل ذلك، بدل ترك الأمور تغلي اجتماعيا بما يعنيه ذلك من خطر لا يدري أحد إلى أين يؤدي. ثم لصالح مَن هذا السكوت المطبق من طرف الجهات الرسمية؟ هل توجد جهة نافذة تقف خلفه؟ أم أنه مظهر من مظاهر الاهمال والاستهزاء حتى بأمور بهذه الخطورة؟
ـ ينبغي أن لا يسلك الملف مسلكا اجتماعيا ضيقا، فذلك خطأ وخطر، بل يجب أن يبقى كما بدأ، أي قضية عدالة صرفة، حيث تسعى أم مكلومة إلى حقها الطبيعي في الحصول على تحقيق جدي ومقنع حول مصرع فلذة كبدها، وينبغي أن نلجم بعض الانجراف العاطفي في الهجوم على أطراف بعينها، وبعض الحماس المتزايد حتى لدى بعض من لم يهتموا بإقامة العدل أصلا، وإنما تدفعهم دوافع أقرب للأطر الضيقة منها إلى السعي إلى العدل والإنصاف، أو إلى رفع الظلم وإحقاق الحق. كما ينبغي إلجام النفوذ القبلي الذي يضر بأي قضية عدل من خلال زوايا ثلاث: إما إسكات ذوي الضحايا، أو توفير حصانة لمتهمين مفترضين، أو تحويل أي مشكل قضائي أو حقوقي إلى تجاذب قبلي سخيف.
وقبل وبعد كل ذلك، ينبغي أن نتذكر جميعا أن الحل هو في السعي الجاد الدؤوب إلى بناء جهاز قضائي ذي مصداقية، واجهزة أمنية جدية وكل ذلك لا يتأتى إلا بإصلاح حقيقي، فلا يمكن أن يبقى كل صاحب مظلمة يصرخ وحده، والبقية تتفرج عليه حتى يأتي دورها.
لم تترك والدة وأخوات زيني ـ رحمه الله ـ لأي صاحب ضمير الخيار في التحري أو الاستقصاء بسبب تلك الأنات، وتيك الدموع، وأقل ما تستحقه هو تحقيق جدي مقنع من طرف جهات ذي مصداقية، لتعرف حقيقة رحيل وحيدها.
كان الله عونا لها ولبناتها، ولكل صاحب حق مهدور، ورحم الله زيني رحمة واسعة.