باحث موريتاني / "المغسَل" ( الإناء الخاص بغسل اليدين ): رمز من رموز الاستعباد

سبت, 16/06/2018 - 12:06

قال الباحث و الكاتب الموريتاني أبو العباس ولد إبرهام إن " المغسل " ( إناء غسل اليدين ) : يعتبر رمزا من رموز الاستعباد

و أضاف ولد ابراهام في تدوينة له على لفيس بوك أن " مساوئ المغسل ليست فقط فقط أنّه يُعلِّم الكسل والتراتُبيّة، بلْ إنّه ليس سياحياً فهو يؤمّم البصاق والمضمضة وغيرها من العادات التي خُصخِصت في بقيّة العالم أو صدرها lavabo"

و جاء في التدوينة أن الحضارة المغربية لفظت " المغسل إلى الموريتانيين ليتلقفوه و يجذروا به ثقافتهم التراتبية

و هذا نص التدوينة التي كتب أبو العباس :

من الجلي أنّ المغسَل لم يعد متناسِباً مع ثقافة المساواة والفردانيّة وأنّه أصبح عالةً على الأمّة. فهو من رموز الاستعباد. رغم أنّ له تاريخاً ضارباً في الأصقاع المشرقيّة والمغربيّة، إلاّ أنّ الصحراء لم تعرفه إلاّ في سياق استعبادي. في الحضارة الإسلامية القروسطيّة عُرِف سلف المغسل، وربّما إرهاصُه، بالطست. والطست فارسي المنشأ. وكانت له عدّة استخدامات، بما فيها استخدامُه في الأكل. وفي حالات نادِرة استُخدِمَ الطستُ نطعاً: تُقطعُ فيه الرؤوس في صالون الأمير.

أما في المغرب والأندلس فإنّ المغاربة غيّروا من شكل الطست، فلم يعد صحنا نحاسيا أو إناءً مفتوحاً؛ وإنما صار إناءا مغلقاً يُستخدَم في غسل اليدين. وسيُعرَفُ في التاريخ الثقافي للمغرب بالطاس وبالمغسَلْ وبالشلاّل. ومع طفرة الشاي في القرن 18-19 أصبح المغسَل رفيق الشاي والطعام. فالضيف المُبجّل لا يتزحزحُ من مكانِه تهيئاً للأكل؛ وإنّما يأنيه الماء إعفاءً للحرج أو للمضامين الطفيليّة. كما أنّ مصاحبتَه للشائ كانت رفعاً رمزياً للشاي. إنّه ليس أيّ شراب؛ بل يحتاج وضوءاً خاصاً. يحتاجُ طاساً.

والواضح أنّ الموريتانيين الذين استقدموا الشاي من المغرب في ستينيات القرن 19 (وإنْ غيّروه كليّةً) قد بدأوا في ذات الفترة يستقدمون المغسل من عند الأرستقراطيّة المغربيّة. وقد سُلِّم هذا الاختراع العجيب للمعبّدين وصار رمز طوعِهم. لقد كان المعبد أوّلاً يُباشر بالضرب حتى يُخلع كتفاه وتُرضّ عظامه فلا يقدر على الحركة لمدّة أشهر. وهذه الأشهر كان هؤلاء الاستعباديون يسمّونها بـ"التروام". وعندما يبدأ العبد في "التقطار" بسلاسة فمعناه أنّه ألف الوضعية و اعتاد الحي والطّاعة.

عاش المغسَلْ في الصحراء القرن العشرين؛ وقد لفظه المغرب في موريتانيا. ففي منتصف القرن العشرين ستظهر في المغرب الصرخة الجديدة في الضيافة: "أللي عند احبابو ينوض أل لفابو". وررغم أنّ المغسَل ظلّ يُقدّم للعظماء وللأكابر (كما قُدِّم لسيدة الغناء العربي: انظر الصورة أدناه) إلاّ أنّ ما حدث هنا جلي. فقد تمّت علمنة lavabo، الذي كان اختراعاً كنسياً، بل وأُسلِم وسُمي بحوض الوضوء، وهذه عملية منذ العصر الأندلسي. ومع العصر الحديث سُلّم لـlavabo الدور القديم والأرستقراطي للمغسَل. وفي هذه الفترة بدأ المغاربة يأمِّمون المغسَلْ فرُفِع في البيوت وصار زينة لها.

أمّا في الصّحراء فإنّ هذه المخلوق الاستعبادي صار رمز التحديث حيث عمّمته ثقافة نواكشوط ووطنَنَته وجعلته، بالهيمنة الثقافية، في كلّ بيت. ومع دخول التجارة الصينية في الموضوع وصناعة المغسَل البلاستيكي تعمّم هذا المخلوق.

ليس من مساوئ المغسل فقط أنّه يُعلِّم الكسل والتراتُبيّة، بلْ إنّه ليس سياحياً فهو يؤمّم البصاق والمضمضة وغيرها من العادات التي خُصخِصت في بقيّة العالم أو صدرها lavabo. من الجلي أنّه في ظلّ ثقافة تقدّميّة لن يعيش المغسل طويلا. وسيكون إكراماً خاصاً بالأرستقراطيين والشائخين والمُضطرِّين. وسننتهي منه ومن دينه إلى الأبد.

تصفح أيضا...