بالفيديو.. كيف أصبح الجزائري بويداين فلسطينيا؟

ثلاثاء, 18/02/2020 - 12:25

ترك وطنه وعائلته وهاجر قاصدا مكة المكرمة وبيت المقدس، لكن المقام استقر به في القدس وأكنافها، وهناك تزوج وأسس أسرة، لكن حب الوطن أعاده ثانية بعد نصف قرن بزيارة قصيرة لمسقط رأسه الجزائر قبل أن يرجع إلى فلسطين ويتوفاه الله عام 2009.

إنه الجزائري الفلسطيني محمد بن الطاهر بن عثمان بويداين، المولود نحو عام 1912 بمنطقة أولاد أحمد "مشتى بوخلاد" التي تتوسط مناطق أولاد عسكر وتسالة لمطاعي وجيملة، بولاية جيجيل على بعد نحو 400 شرق العاصمة الجزائر.

المغامرة وقوة الإرادة
في منزل الدكتور إبراهيم بويداين ابنه من زوجته الفلسطينية ببلدة الظاهرية، كان للجزيرة نت لقاء مطول مع أبنائه للتعرف على قصة هي أقرب إلى المغامرة، تحمل في ثناياها الكثير من المفاجآت، وفي الوقت ذاته قوة الإرادة والعزيمة، وشيئا من القسوة.

يتوسط أستاذ العقيدة الإسلامية الدكتور إبراهيم (49 عاما) ثلاثة أبناء للمرحوم محمد بن الطاهر، أكبرهم أستاذ التاريخ علي، وأصغرهم الشيخ عمر الذي يعمل إماما لمسجد قريب، وله أخت متزوجة.

يعود بنا بويداين إلى حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر حيث كان والده عاملا بسيطا في الجزائر العاصمة خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، حتى قرر عام 1950 أن يقصد مكة مع عدد من رفاقه راجلا لأداء فريضة الحج.
 

يودع الوطن والأطفال
في رعاية الله ترك الرجل زوجته وابنه الحسين في عامه الأول وابنته ظريفة ذات الأعوام الثلاثة، وانطلق إلى العثمانية ثم واد الزناتي ثم تونس ثم ليبيا، ولدى وصوله مصر رفضت السلطات إدخاله لعدم حيازته أية وثائق تثبت شخصيته، لكنه استمر بالمحاولة حتى دخلها بطريقة غير رسمية وأقام شهورا في مسجد الحسين في القاهرة.

قبيل توجهه إلى مكة، أراد "تقديس حجته" بزيارة بيت المقدس -كما هي عادة كثير من الشعوب الإسلامية- وبالفعل اجتاز سيناء إلى فلسطين التي كانت حديثة عهد بالنكبة، ولم تصده سيطرة الاحتلال على الحدود عن تحقيق مراده، وهناك اعتقل وأودع سجن بئر السبع.
 

خلال اعتقال الحاج محمد الجزائري تواصل الاحتلال مع سلطات الاستعمار الفرنسي للتأكد من ملفه الأمني، وأفرج عنه بعد شهور، فواصل طريقه إلى بيت المقدس، لكنه اعتقل ثانية من قبل الأردن الذي كان يدير الضفة الغربية قبل احتلالها عام 1967، لعدم حيازته وثائق شخصية، ومكث شهورا أخرى في سجن الخليل، ثم أفرج عنه وتوجه إلى القدس قبل أن يكمل طريقه إلى مكة المكرمة.

بين مدينتي جدة ومكة المكرمة أمضى الحاج محمد بن الطاهر بويداين ثلاثة أعوام بين العمل والعبادة، ثم قرر العودة إلى فلسطين والإقامة في زاوية المغاربة قرب المسجد الأقصى عام 1955، وبقي هناك عشر سنوات تخللها زيارات عمل إلى الأردن.

الطريق إلى الجزائر
خلال إقامته في القدس أيقن الجزائري أنه لن يتمكن من العودة لعدم حيازته أية وثائق، وظل يتنقل بين القدس وعمان حتى ربطته علاقة صداقة مع فلسطينيين من عائلة الهوارين ببلدة الظاهرية جنوب الخليل، فكلموه في أمر الزواج فتزوج وبقي في القدس ثلاثة أعوام، قبل أن يستقر في بلدة الظاهرية عام 1967 حتى وفاته عام 2009.

بعد حصوله على هوية شخصية بعيد احتلال الضفة، تمكن مع قدوم السلطة الفلسطينية من استصدار جواز سفر فلسطيني شكل انعطافة جديدة وفارقة في حياته مكنته من زيارته بلده الأول.

يقول الدكتور إبراهيم "الرأي استقر على أن نأخذ والدنا إلى الجزائر حيث عائلته وأسرته، لكن ظروف الجزائر في تسعينيات القرن الماضي لم تكن تسمح بذلك، حتى جاء عام 2000 وقررنا الذهاب به إلى الجزائر".

وحتى عام 2000 كانت أخبار الرجل منقطعة عن ذويه، سوى رسالة يتيمة عادية لا تحمل أخبارا، أرسلت عام 1985.
 

يقول الدكتور إبراهيم إنه حزم أمتعته واصطحب والده إلى عمان قاصدا الجزائر، وفي المطار استقبله بنو عمومته استقبالا فوق الوصف.

بعد إمضاء ليلتهم في الجزائر العاصمة، انطلقوا صباحا إلى بيت عمه الطيب في فرجيوة الذي أعد لهم مهرجانا أشبه بعرس اختلطت فيه مشاعر الفرح والحزن والشوق وهنا كان في الانتظار بنو أعمامه وأولادهم وأحفادهم.
 

مشاهد صادمة
مشاهد أقرب للصدمة عايشها الأب والابن ومستقبلوهم، أشدها الأب وهو يبحث عن ابنته بين عشرات انتظرن قدومه "وشكون منكن ظريفة" (من منكن ظريفة)، لكن ظريفة (ابنته التي تركها بعمر 3 أعوام) فيما يشبه الصدمة متعلقة بباب منزل عمها تبكي فرحا "آبويا آخويا" (أبي أخي)، كيف لا وكل ما تذكره أن أباها غادرهم من منزل شعبي يضرب البرد أجنابه في جبال الجزائر، دون أن يعود.

في جيجل يسكن الأخ الأول للدكتور إبراهيم من أبيه، بينما توفيت شقيقته ظريفة بولاية ميلة/بلدية زغاية تاركة عدة أبناء.

تعرف الدكتور إبراهيم على أخيه وأخته وأعمامه وعماته، الأكبر عمار ثم الطيب في بلدية فرجيوة، ومسعود ببلدية رواشد بولاية ميلة، وأبناؤهم.

يعتز بويداين الابن بنسبه "نحن ننتمي إلى عشيرة بويداين المنحدرة من بلدية تسالة لمطاعي على بعد 400 كم شرق العاصمة".
 

خلال أربعين يوما زار الأب وابنه جميع أقاربه وابنه وابنته، وأطلال بيته واستذكر جميع المناطق المحيطة بمسقط رأسه كل باسمها، وتوجه إلى الجهات الرسمية واستعاد هويته الجزائرية وجواز سفره وكذا ابنه إبراهيم.

لحظة الحسم
لكن بعد أن شارفت الزيارة على نهايتها جاءت لحظة الحسم وربما كان القرار الأصعب في حياته، أسرة في الجزائر وأخرى في فلسطين، أبناء في الجزائر وآخرون في فلسطين، لكنه أعلنها بلهجة جزائرية حافظ عليها لمدة ستين عاما من الغربة "أنا هاجرت للأرض المقدسة ونرجع نموت بيها"، وبعد عودته بتسع سنوات وافته المنية كما تمنى.

اليوم يحرص نجله الأوسط الدكتور إبراهيم على هويته وهوية أبنائه الجزائرية إلى جانب الفلسطينية، بينما لم تسمح الظروف لشقيقه الأكبر علي باستصدارهما، في حين تمكن عمر من الحصول على الجنسيتين.

والدكتور إبراهيم حاصل على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة القدس بفلسطين، ودرجة الدكتوراه في العقيدة من جامعة الأمير عبد القادر بالجزائر، وما زال يتردد بين أسرتيه في الجزائر وفلسطين، ويواصل اثنان من أبنائه دراستهم في جامعة تلمسان والمدرسة الوطنية العليا في العاصمة.

أيهما وطنك فلسطين أم الجزائر؟ سؤال توقعه منا الدكتور إبراهيم، لكن الإجابة كانت حاضرة، فلسطين كرحم الأم خلقنا وتربينا على ترابها، لكن يستحيل علينا أن ننسى أصلنا، دم الجزائر يسري في عروقنا ونعتز ونفتخر بها.
 

أين الغربة؟
وعن الغربة يقول "لا غربة هنا ولا هناك، كلاهما وطني، وفي كليهما أقسم حياتي، فلدي عائلة هنا وعائلة هناك، قدم هنا وقدم هناك".

وما الذي يجبر رجلا لديه الخيار أن يعيش حرا طليقا في وطن يتمتع بالسيادة أن يعيش في ظل احتلال لا يتيح له التنقل بحرية حتى داخل المدينة الواحدة. يجيب الدكتور إبراهيم "لا أخفيك أنني فكرت بالرحيل، لكنها فلسطين أرض الرباط".

واشتغل الدكتور بويداين لعشر سنوات نائبا لمفتي محافظة الخليل، ثم مديرا لدائرة الأبحاث بدائرة الإفتاء الفلسطينية، ثم مفتيا لجنوب الخليل لعقد من الزمان، والآن هو أستاذ العقيدة بكلية العلوم الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف الفلسطينية، إضافة إلى توليه الخطابة والتدريس في المساجد.

بالعودة إلى الجزائر يتأسف الدكتور إبراهيم على المساحات الشاسعة من الأراضي غير المستغلة "وارتفاع نسبة البطالة والفساد والظلم"، متمنيا أن تحقق الجزائر مع الانتخابات الرئاسة الجديدة إصلاحا حقيقيا وجديا بإتاحة الفرصة للكفاءات المقيمة والمغتربة.

يحرص الشيخ إبراهيم كما أشقاؤه على متابعة أخبار وطنهم الثاني عبر الصحف والقنوات الفضائية الجزائرية.

المصدر : الجزيرة

تصفح أيضا...